للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصح من اللفظ والمعنى، فيصير التقدير: ما مررت برجل كريم بل مررت برجل لئيم، وكذلك: ما مررت برجل صالح ولكن مررت برجل صالح، فالأول من الكلامين غير معمول به، والثاني هو المعتمد عليه.

فأبدل كلاما معتمدا عليه من كلام مطرح، وهو معنى البدل.

وقال سيبويه: (إن بل، ولا، ولكن تشرك بين النعتين فيجريان على المنعوت كما أشركت بينهما الواو والفاء وثم وأو، وما أشبه ذلك). وذكر الفصل.

قال أبو سعيد: اعلم أن بل، ولا، ولكن حروف العطف تشرك بين الأول والثاني في الإعراب على اختلاف معانيهما، وأما (بل) فإنها إذا أتت بعد كلام موجب فالأغلب عليها تحقيق الثاني، والإضراب عن الأول، ويكون الكلام غلطا من المتكلم به سبق إليه لسانه، أو رأى ذكره، ثم رأى ذكر غيره كما يذكر الذاكر الشيء على غير وجه الإبطال له، ولكن يرى أنه مضى وتقضّى وقته والحاجة إلى ذكره، وأن ما بعده أولى بالتذكر فيقول: كان كذا وكذا بل كذا، تقول:

كان كذا ثم تقول: دع ذا أو خذ ذا الشيء الآخر.

قال زهير:

دع وعد القول في هرم ... خير الكهول وسيد الحضر (١)

ولم يرد زهير إبطال ما قبله من الكلام، وقال العجاج بعد أشياء ذكرها لم يرد إبطالها:

دع ذا وبهج حسبا مبهجا ... فخما وسير مطلقا مروجا (٢)

فأما (لا بل) فإن (لا) تأتي لتوكيد إبطال ما قبلها، وفصل سيبويه بين (بل) و (لكن) فقال في (بل): (مررت برجل صالح بل طالح)، على أنه نسى أو غلط فتدارك كلامه، ولم يجز: مررت برجل صالح ولكن طالح، على تدارك النسيان، إنما جئت بها بعد النفي، كقولك: ما مررت برجل صالح لكن طالح، وأمّا لكن فإنها إذا أتت بعد منفى جاز أن يكون ما بعدها عطفا كقولك: ما زرت زيدا ولكن عمرا، وما مررت بزيد لكن


(١) ديوانه: ٢٧.
(٢) ديوانه: ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>