فخرّجته أيضًا في كتابك في "باب النفقة على الأهل صدقة" في "كتاب الزكاة" معنعنًا، وليس فيه ذكر سماع، وخرّجه البخاري، وفيه عنده ذكر السماع منصوصًا مثبتًا ما أنكرت في ذكره في "المغازي" في الباب الذي يلي، "شهودُ الملائكة بدرًا"، فقال: حدثنا مسلم، قال: حدثنا شعبة، عن عديّ، عن عبد الله بن يزيد، سمع أبا مسعود البدريّ، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"نفقة الرجل على أهله صدقة"، وأخرجه أيضًا في "الإيمان"، وفي "النفقات"، وليس فيه ذكر سماع.
ففي هذا الحديث كما ترى إثبات ما غاب عن مسلم رَحِمَهُ اللهُ، من سماع عبد الله بن يزيد من أبي مسعود البدري، ولنا عن هذا الدليل جوابان، أحدهما عام، والثاني خاصّ:
أما العام فما ادّعيتَ من الإجماع صحيحٌ، لكن لا يتناول محلَّ النزاع، فنحن نقول بموجبه، ولا يلزمنا -بحمد الله- محذور، فإنك أتيت بمثال فيه رواية صاحب عن صاحب، وهو عبد الله بن يزيد الأنصاري، عن حذيفة وأبي مسعود، وهو معدود عندك في "كتاب الطبقات" من تأليفك في الكوفيين من الصحابة -رضي الله عنهم- حيث قلت: وعبد الله بن يزيد الأنصاري، أدرك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولم يحفظ منه شيئًا، وكذلك ذكره البخاري، وقال فيه: قيل: إنه رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وذكره أبو عمر بن عبد البر، وقال: إنه شَهِدَ الحديبية، وهو ابن سبع عشرة سنة.
قلت (١): ومن كان في هذا السن زمن الحديبية، فكيف يُنكر سماعه من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. قال الحافظ أبو عبد الله، محمد بن يحيى بن الحذاء رَحِمَهُ اللهُ: وذُكِر أن عبد الله ابن يزيد شَهِد بيعة الرضوان وما بعدها، وفتحَ العراق، وهو رسول القوم يوم جِسْر أبي عبيد، يُعَدُّ في أهل الكوفة، قال ابن الحذاء: وكانت لأبيه صحبة، شَهِدَ أحدًا، وهلك قبل فتح مكة. انتهى ما حضرنا في عبد الله بن يزيد.
فلنرجع إلى ما كُنّا بسبيله من قوله:"إنه لم يحفظ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فنقول: الصحابة -رضي الله عنهم- عدول بأجمعهم، بإجماع أهل السنة على ذلك، فلو قَدّرنا إرسال بعضهم عن بعض لم يضرنا ذلك شيئًا، ولم يكن قادحًا، ولا يدخل هنا قولك: "إن المرسل من الروايات في أصل قولنا، وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة"؛ لما قلناه من الاتفاق على عدالة الجميع.
ولذلك قَبِلَ الجمهور مراسيل الصحابة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كابن عباس وغيره من