للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخذ، وترك الحجة به حتى يَنُصّ على سماعه، وقد ذكر أبو عبد الله الحاكم الاختلاف في ذلك (١) كما قدّمناه. انتهى كلام القاضي رَحِمَهُ اللهُ (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: سنعود -إن شاء الله تعالى- إلى تمام البحث في التدليس في المسائل الآتية آخر هذا الشرح.

(وَشُهِرَ بِهِ) ببناء الفعل، وفيه أن المعتبر في التدليس أن يشتهر به الراوي، لا مجرَّد ثبوت التدليس عليه، وفيه خلاف سيأتي تحقيقه في المسائل آخر الشرح، إن شاء الله تعالى.

(فَحِينَئِذٍ يَبْحَثُونَ عَنْ سَمَاعِهِ فِي رِوَايَتِهِ) أي سماع ما رواه من شيخه الذي رواه عنه (وَيَتَفَقَّدُونَ ذَلِكَ مِنْهُ) أي من الراوي المدلّس (كَيْ تَنْزَاحَ) أي تزول، وهو انفعال من الزّوْح، يقال: زاح الشيءُ عن موضعه يزُوح زَوْحًا، من باب قال، ويَزِيح زَيْحًا من باب سار: تنحّى، وقد يُستعمل متعدّيًا بنفسه، فيقال: زُحتُهُ، والأكثر أن يتعدّى بالهمزة، فيقالُ: أزحته إزاحةً. قاله الفيّوميّ (٣) (عَنْهُمْ عِلَّةُ التَّدْلِيسِ) الإضافة بيانيّة: أي علّة هي التدليس (فَمَنِ ابْتَغَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُدَلِّسٍ) "من" شرطيّة، أو موصولة مبتدأ، والفعل مبنيّ للفاعل، وهذا هو الذي وقع في نسخ المتن، ووقع في شرح النوويّ: "فما ابتغي إلخ" قال النووي: هكذا وقع في أكثر الأصول "فما ابتغي" بضم التاء، وكسر الغين على ما لم يُسمّ فاعله، وفي بعضها "ابتغى" بفتح التاء والغين، وفي بعض الأصول المحقّقة: "فمن ابتغى"، ولكلّ واحد وجه. انتهى كلام النوويّ (٤).

وجواب "من"، أو خبرها محذوف دلّ عليه قوله: "فما سمعنا ذلك الخ"، والتقدير: فقد خالف الأئمة: أي فمن طلب بيان ثبوت السماع من غير راوٍ مدلس، فقد خالف منهج المحدثين في ذلك، وعلى نسخة النوويِّ تكون "ما" نافية، والفعل مبنيّ للمفعول: أي فلم يُطلَب ذلك من غير مدلّس الخ، وقوله: "فما سمعنا ذلك إلخ" مؤكّد لقوله: "فما ابتُغي إلخ، وأما بناء "ابتغى" للفاعل على نسخة النوويّ "فما ابتَغَى" فيحتمل توجيهه على تقدير فاعل: أي فما ابتغى أحدٌ ذلك، وحذف الفاعل يجوز عند الكسائيّ، وجَعَل منه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب ... " الحديث، متفق عليه، أي لا يشرب الشارب، ومنه قوله تعالى: {إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} الآية [القيامة: ٢٦]، أي الروح عند قوله: الفطن.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذه التوجيهات هي التي ظهرت لي، وأما ما كتبه


(١) راجع "معرفة علوم الحديث" ص ١٣.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ١٧٦.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ٢٥٩.
(٤) "شرح النوويّ" ١/ ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>