قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تشديد التاء هو الموجود في النسخ مضبوطًا ضبط قلم، وظاهر عبارة "القاموس"، و"المصباح" جواز الوجهين: التخفيف، والتشديد، ولكن التشديد هو المناسب لسياق كلام المصنّف رَحِمَهُ اللهُ هنا. والله تعالى أعلم.
(عَنْ مَوْضِعِ السَّمَاعِ) متعلّق بـ "فتشوا"(فِي الْأَسَانِيدِ) متعلّق بصفة لـ "موضع"، أو بحال منه (كَمَا ادَّعَاهُ الَّذِي وَصْفْنَا قَوْلَهُ مِنْ قَبْلُ) بالبناء على الضمّ لما أسلفناه قريبًا (وَإِنَّمَا كَانَ تَفَقُّدُ مَنْ تَفَقَّدَ مِنْهُمْ سَمَاعَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ) بنصب "سماع" على أنه مفعول "تفقّد"(مِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ) هكذا النسخ، والظاهر أن الأولى "ممن رووا عنهم"؛ لأن الضمير يعود على "رُواة الحديث"؛ إذ قوله:"ممن روى" متعلّق بـ "سماع"، اللهم إلا إن جعلنا الضمير في "عنهم" لهؤلاء الأئمة، و"عن" بمعنى اللام، أي ممن نقل لهم الحديث (إِذَا كَانَ الرَّاوِي مِمَّنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ فِي الْحَدِيثِ)"التدليس" مصدر دَلّس، يقال: دلّس البائع تدليسًا: إذا كَتَم عيبَ السِّلْعَة من المشتري وأخفاه. قاله الخطّابيّ وجماعة، ويقال أيضًا: دَلَسَ دَلْسًا، من باب ضرب، والتشديد أشهر في الاستعمال. قاله الفيّوميّ.
وقال القاضي عياض: التدليس لقبٌ وضعه أئمة الفتوى، وأئمة هذه الصنعة على من أبهم بعض رواياته لمعان مختلفة، وأغراض متباينة، وقد كان هذا من عصر التابعين إلى هلمّ جرّا، وذُكر عن جماعة من جلّة الأئمة، ولم يُضرّ ذلك حديثهم لصحّة أغراضهم وسلامتها، وأضرّ ذلك بغيرهم.
وهو على أمثلة، فمنه أن سفيان بن عيينة على جلالته من كبار أصحاب الزهريّ، وسمع منه كثيرًا، وأخذ عن أصحابه كثيرًا مما لم يسمعه عن الزهريّ، فربّما حدّث، فقال: الزهريّ، أو قال: قال الزهريّ عن فلان، وقد عُرف بالتدليس، فسُئل، فمرّةً يقول: سمعته منه، ومرّة يقول: حدّثني به عنه فلان، أو فلان عن فلان عنه، ومن لا يدلّس مثل مالك وشعبة لا يقول مثل هذا، بل يُبيّن من حدّثه عنه، أو يقول: بلغني، قال شعبة: لأن أزني أحبّ إليّ من أن أُدلّس، ولكن أمثال أولئك الجلّة ممن استسهل التدليس إذا سئلوا أحالوا على الثقات، فحُمل حديثهم، وقام تدليسهم مقام المرسل، وحجة بعضهم أن يكونوا قد سمعوه من جماعة من الثقات عن هذا الرجل، فاستغنوا بذكره عن ذكر أحدهم، أو ذكر جميعهم، لتحققهم صحّة الحديث عنه، كما يُفعل في المراسيل.
ومنهم من أراد أن لا ينزل حديثه، وأن يعلو بذكر الشيخ دون من دونه؛ لصحّة