للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعنعنوا معتمدين عليها، فلما استُفسِروا عن السماع بينوه.

والمسألة مع هذا لا تخلو من كدر الإشكال، وقد أصفينا لكم منها ما استطعنا فيما تقدم، ورَوَّقْنَاه لِوُراده.

والكلام في التدليس وأنواعه وأحوال فاعليه يستدعي إطالةً لا يحتملها إيجاز هذا المختصر، وهذا القدر هنا كاف إن شاء الله. انتهى كلام ابن رُشيد رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ولنعُد إلى استعراض بعض ما نُقل عن أئمة السلف ومن تبعهم من البحث عن محلّ السماع مع عدم ثبوت التدليس خلاف ما ادّعاه المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى على ما وعدنا به سابقًا، فنقول:

(اعلم): أن قول المصنّف رَحِمَهُ اللهُ: "وما علمنا أحدًا من أئمة السلف فتّشوا عن موضع السماع في الأسانيد إلخ" فيه نظر لا يخفى؛ لأنه قد ثبت عنهم التفتيش الذي نفاه:

فممن ثبت ذلك عنه شعبة بن الحجاج الإمام العلم المشهور رَحِمَهُ اللهُ، فقد نُقل عنه قوله: "فلان عن فلان مثله لا يُجزِي". وقوله: "كلّ حديث ليس فيه "حدثنا"، و"أخبرنا"، فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير، ليس له خطام". وقوله: "كلّ حديث ليس فيه "حدثنا"، و"أنبأنا" فهو خَلّ، أو بَقْل".

وقال شعبة أيضًا: قد أدرك رُفيع أبو العالية (١) عليّ بن أبي طالب، ولم يسمع منه شيئا. وقال: أدرك ربعيّ (٢) عليّا، وحدّث عنه، ولم يقل سمع. وقال: لم يسمع أبو عبد الرَّحمن السُّلَميّ (٣) من عثمان، ولا من ابن مسعود، ولكن سمع من عليّ -رضي الله عنه-. وأنكر شعبة سماع مجاهد (٤) من عائشة -رضي الله عنها-.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الغرض من هذه النقول إثبات تفقّد شعبة لسماع المتعاصرين بعضهم من بعض، وإن لم يكونوا مدلّسين، خلاف ما قاله مسلم، وإلا فهذه الأسانيد قد أثبتَ السماعَ فيها غيره، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه" حديث أبي العالية عن عليّ -رضي الله عنه-، وقد وقع تصريح ربعيّ عن عليّ -رضي الله عنه- في "الصحيحين"، وأخرج البخاريّ حديث أبي عبد الرَّحمن السلميّ، عن عثمان -رضي الله عنه-. ووقع تصريح مجاهد بسماعه من عائشة -رضي الله عنها- في "صحيح البخاريّ".

والحاصل أن شعبة هو ممن فتّش عن سماع الرواة المتعاصرين بعضهم من بعض،


(١) لم يوصف بالتدليس.
(٢) لم يوصف بالتدليس.
(٣) لم يوصف بالتدليس.
(٤) لم يوصف بالتدليس.

<<  <  ج: ص:  >  >>