للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كانت العلة في ردّك الخبر، وعدم الاحتجاج به ما ذكرت من إمكان الإرسال فيه، لزمك أن لا تقبل حديثًا إلا إذا ثبت لديك سماع رجال إسناده بعضهم من بعض من أول السند إلى آخره، فيلزمك منه أن لا تُثبت إسنادًا معنعنًا أصلًا. هذا خلاصة ما أشار إليه في إلزام خصمه. والله تعالى أعلم.

وقد ناقش العلماء هذا الدليل الثاني، فقال ابن الصلاح رحمه الله: والجواب عما احتجّ به مسلم: أنا قبلنا المعنعن، وحملناه على الاتصال بعد ثبوت التلاقي (١) ممن لم يُعرف منه تدليس؛ لأنه لو لم يكن قد سمعه ممن رواه عنه لكان بإطلاقه الرواية عنه مدلّسًا، والظاهر سلامته من وصمة التدليس، ومثل هذا غير موجود فيما إذا لم يُعلَم تلاقيهما. انتهى كلام ابن الصلاح (٢).

وأجاب النووي رحمه الله بأنه إذا ثبت التلاقي (٣) غلب على الظنّ الاتصال، والباب مبنيّ على غلبة الظنّ، فاكتفينا به، وليس هذا المعنى موجودًا فيما إذا أمكن التلاقي ولم يثبُت، فإنه لا يغلب على الظنّ الاتصال، فلا يجوز الحمل على الاتصال، ويصير كالمجهول، فإن روايته مردودة لا للقطع بكذبه، أو وضعه بل للشكّ في حاله. انتهى كلام النوويّ (٤).

وأجاب العلائيّ، فقال: الفرق بين المقامين (٥) بأن الراوي إذا ثبت لقاؤه لمن عنعن عنه، ومشافهته له، وكان بريئًا من تهمة التدليس، فالظاهر من حاله فيما أطلقه بلفظ "عن" الاتّصال، وعدم الإرسال حتّى يتبيّن ذلك (٦) بدليل -كما في الأمثلة التي ذكرها- وهي منغمرة في جنب الغالب الكثير من الأسانيد، فلا يُعترض بها على الغالب لندرتها، بخلاف إرسال الراوي عمن لم يلقه، فإنه كثير جدّا بلفظ "عن" فلا يلزم من عدم التوقّف في ذلك عدم التوقّف في هذا، ومع ظهور الفرق بينهما فلا نقض. انتهى كلام العلائيّ (٧).

وقال الحافظ: واكتفى مسلم بمطلق المعاصرة، وألزم البخاريّ بأنه يحتاج إلى أن


(١) قد عرفت فيما سبق أن حوار مسلم ليس على التلاقي فقط، بل وعلى السماع، فافهم.
(٢) "صيانة صحيح مسلم" ص ١٢٨.
(٣) قد عرفت فيما سبق أن حوار مسلم ليس على التلاقي فقط، بل وعلى السماع، فافهم.
(٤) "شرح مسلم" ١/ ١٢٨.
(٥) أراد به أن ما ألمح إليه مسلم من أن احتمال الإرسال في معنعن من ثبت لقيّه مثل احتمال الإرسال في معنعن المعاصر غير المدلّس، فلا فرق بينهما.
(٦) هكذا نسخة الكتاب، ولعل الظاهر: حتى يتبين خلاف ذلك الخ. والله أعلم.
(٧) "جامع التحصيل" ص ١١٩ - ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>