واحد في المحاكمات، ولأن بين الناس إِحَنًا وعداوات تحملهم على شهادة الزور بخلاف الرواية.
والقول الثاني: اشتراط اثنين في الرواية أيضًا، حكاه القاضي أبو بكر الباقلّانيّ عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم؛ لأن التزكية صفة فتحتاج في ثبوتها إلى عدلين كالرُّشْد والكفاءة وغيرهما، وقياسًا على الشاهد بالنسبة لما هو المرجّح فيها عند الشافعيّة والمالكيّة، بل هو قول محمد بن الحسن، واختاره الطحاويّ، وإلا فأبو عبيد لا يَقبل في التزكية فيها أقلّ من ثلاثة، متمسّكًا بحديث قبيصة فيمن تحلّ له المسألة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى، فيشهدون له، قال: وإذا كان هذا في حقّ الحاجة، فغيرها أولى، ولكن المعتمد الأول، وأما الحديث فمحمولٌ على الاستحباب فيمن عُرف له مال قبلُ.
وممن رجّح الحكم كذلك في البابين الفخر الرازيّ، والسيف الآمديّ، ونقله هو وابن الحاجب عن الأكثرين، ولا تنافيه الحكاية الماضية للتسوية عن الأكثرين لتقييدها بالفقهاء.
وممن اختار التفرقة أيضًا الخطيب وغيره، وكذا اختار القاضي أبو بكر بعد حكاية ما تقدّم الاكتفاء بواحد، لكن في البابين معًا، كما نُقل عن أبي حنيفة وأبي يوسف في الشاهد خاصّةً، وعبارته: والذي يوجبه القياس وجوب قبول تزكية كلّ عدل مرضيّ ذكر أو أنثى، حرّ أو عبد، شاهدٍ ومخبر، أي عارف بما يجب أن يكون عليه العدل، وما به يحصل الجرح، كما اقتضاه أول كلامه الذي حكاه الخطيب عنه، وهو ظاهر، واستثنى تزكية المرأة في الحكم الذي لا تُقبل شهادتها فيه، كلُّ ذلك بعد حكايته عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم عدمَ قبول تزكية النساء مطلقًا في البابين.
وكذا أشار لتخصيص تزكية العبد بالرواية لقبوله فيها دون الشهادة، ولكن التعميم في قبول تزكية كلّ عدل لأنها -كما قال الطحاويّ- خبرٌ، وليست شهادة، صرّح به أيضًا صاحب "المحصول" وغيره من غير تقييد.
وقال النوويّ في "التقريب": يُقبل أي في الرواية تعديل العبد والمرأة العارفين، ولم يَحكِ غيره. قال الخطيب في "الكفاية": الأصل في هذا الباب سؤال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في قصّة الإفك بَرِيرة عن حال عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، وجوابها له -يعني الذي ترجم عليه البخاريّ في "صحيحه": "تعديل النساء بعضهنّ بعضًا".
ولا تُقبل تزكية الصبيّ المراهق، ولا الغلام الضابط جزمًا، وإن اختُلف في روايتهما؛ لأن الغلام، وإن كانت حاله ضبطَ ما سمعه، والتعبير عنه على وجهه، فهو