للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن وثّقه أحد، فهذا هو الذي قالوا فيه: لا يُقبل منه الجرح إلا مفسّرًا. يعني لا يكفي فيه قول ابن معين مثلًا: هو ضعيف، ولم يُبيّن سبب ضعفه، ثم يجيىء البخاريّ وغيره يوثّقه، ومثل هذا يُتوقّف في تصحيح حديثه، وهو إلى الحسن أقرب، كابن معين، وأبي حاتم، والجوزجانيّ.

وقسم في مقابلة هؤلاء متساهلون، كأبي عيسى الترمذيّ، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي بكر البيهقيّ، قال السخاويّ: وكابن حزم، فإنه قال في كلّ من أبي عيسى الترمذيّ، وأبي القاسم البغويّ، وإسماعيل الصفّار، وأبي عيسى الأصمّ، وغيرهم من المشهورين: إنه مجهول.

وقسم معتدلون، ومنصفون، كأحمد، والبخاريّ، وأبي زرعة، والدارقطنيّ، وابن عديّ. انتهى (١).

وقد تكلّم في الرجال -كما قال الإمام الذهبيّ -رحمه اللهُ تعالى- جماعة من الصحابة، ثم من التابعين، كالشعبيّ، وابن سيرين، ولكنه في التابعين بالنسبة لمن بعدهم بقلّة؛ لقلّة الضعف في متبوعيهم، إذ أكثرهم صحابة عدولٌ، وغير الصحابة من المتبوعين أكثرهم ثقات، ولا يكاد يوجد في القرن الأول الذي انقرض في الصحابة، وكبار التابعين ضعيفٌ إلا الواحد بعد الواحد، كالحارث الأعور، والمختار الكذّاب، فلما مضى القرن الأول، ودخل الثاني كان في أوائله من أوساط التابعين جماعة من الضعفاء الذين ضُعّفوا غالبًا من قبل تحمّلهم، وضبطهم للحديث، فتراهم يرفعون الموقوف، ويُرسلون كثيرًا، ولهم غلطٌ، كأبي هارون العبديّ، فلما كان عند آخر عصر التابعين، وهو حدود الخمسين ومائة تكلّم في التوثيق والتضعيف طائفة من الأئمة، فقال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر الجعفيّ، وضعّف الأعمش جماعةً، ووثّق آخرين، ونظر في الرجال شعبة، وكان متثبّتًا لا يكاد يروي إلا عن ثقة، وكذا كان مالك.

وممن إذا قال في هذا العصر قُبل قوله: معمر، وهشام الدستوائيّ، والأوزاعيّ، والثوريّ، وابن الماجشون، وحمّاد بن سلمة، والليث بن سعد، وغيرهم.

ثم طبقة أخرى بعد هؤلاء، كابن المبارك، وهُشيم، وأبي إسحاق الفزاريّ، والمعافى بن عمران الموصليّ، وبشر بن المفضّل، وابن عيينة، وغيرهم.

ثم طبقة أخرى في زمانهم، كابن عُليّة، وابن وهب، ووكيع، ثم انتدب في زمانهم أيضًا لنقد الرجال الحافظان الحجتان: يحيى بن سعيد القطّان، وابن مهديّ،


(١) راجع "الموقظة" ص ٨٣ و"ذكر من يُعتمد قوله في الجرح والتعديل" ص ١٥٨ - ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>