للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن عليّ بن المدينيّ، قال: سُئل يحيى بن سعيد عن مالك بن دينار، ومحمد بن واسع، وحسّان بن أبي سنان؟ فقال: ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث؛ لأنهم يكتبون عن كلّ من يلقونه، لا تمييز لهم فيه. وقال الجوزجانيّ: سمعت أبا قُدامة يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: رُبّ رجل صالح لو لم يُحدّث كان خيرًا له، إنما هو أمانة، وتأدية الأمانة في الذهب والفضّة أيسر منه في الحديث. (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي نُقل عن يحيى القطّان رحمه اللهُ تعالى، قد نُقل عن غيره من أهل العلم أيضًا، كما سيأتي بعضه فيما سينقله المصنّف رحمه الله تعالى، وقد روى ابن عديّ في "كامله" بإسناده عن أبي عاصم النبيل قال: ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث. وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي أسامة قال: إن الرجل يكون صالحًا، ويكون كذّابًا، يعني يُحدّث بما لا يحفظ. وروى عمرو الناقد قال: سمعت وكيعًا، وذُكر له حديث يرويه وهب بن إسماعيل، فقال: ذاك رجل صالحٌ، وللحديث رجال. وروى أبو نُعيم بإسناده عن ابن مهديّ قال: فتنة الحديث أشدّ من فتنة المال، وفتنةِ الولد، لا تُشبه فتنته فتنةٌ، كم من رجل يُظنّ به الخير، قد حمله فتنة الحديث على الكذب. قال الحافظ ابن رجب: يُشير إلى من حدّث من الصالحين من غير إتقان وحفظ، فإنما حمله على ذلك حبّ الحديث، والتشبّه بالحفّاظ، فوقع في الكذب على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهو لا يعلم، ولو تورّع، واتّقى الله، لكفّ عن ذلك، فسلِمَ. وعن ابن منده قال: إذا رأيت في حديث حدّثنا فلان الزاهد، فاغسل يدك منه. وقال ابن عديّ: الصالحون قد رَسموا بهذا الاسم أن يرووا أحاديث في فضائل الأعمال موضوعة بواطيل، ويُتّهم جماعة منهم بوضعها.

قال ابن رجب: وهؤلاء المشتغلون بالتعبّد الذين يترك حديثهم على قسمين: منهم: من شغلته العبادة عن الحفظ، فكثر الوهم في حديثه، فرفع الموقوف، ووصل المرسل، وهؤلاء مثلُ أبان بن أبي عيّاش، ويزيد الرَّقَاشيّ. وقد كان شعبة يقول في كلّ منهما: لأن أزني أحبّ إليّ من أن أُحدّث عنه. ومثلُ جعفر بن الزبير، ورِشْدين بن سعد، وعبّاد بن كثير، وعبد الله بن محرّر، والحسن بن أبي جعفر الْجُفْريّ، وغيرهم. ومنهم: من كان يتعمّد الوضع، ويتعبّد بذلك، كما ذُكر عن أحمد بن محمد بن غالب غلام خليل، وعن زكريّا بن يحيى الوقّار المصريّ. انتهى كلام ابن رجب (٢).


(١) راجع "شرح علل الترمذيّ" ص ٨٧ تحقيق صبحي السامرّائي.
(٢) "شرح علل الترمذيّ" ص ٨٦ - ٨٨. تحقيق صبحي السامرائيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>