(قَالَ) ابن المبارك (ثِقَةٌ) أي هو ثقة (عَمَّنْ؟ ) أي عمن رواه حجاج؟ (قَالَ) إبراهيم (قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أي قال حجاج: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فـ "قال رسول الله" مقول لقال محذوفةً، كما قدّرته. (قَالَ: يَا أبَا إِسْحَاقَ) كنية إبراهيم ابن عيسى السائل (إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَفَاوِزَ) بالنصب على أنه اسم "إنّ" مؤخّرًا، وخبرها الظرف قبله. وهو: جمع مفازة بفتح الميم فيهما، وهي الأرض الْقَفْرُ البعيدة عن العمارة، وعن الماء التي يُخاف الهلاك فيها. قيل: سُمّيت مفازةً للتفاؤل بسلامة سالكها، كما سَمُّوا اللَّدِيغ سَلِيمًا. وقيل: لأن من قطعها فاز، ونجا. وقيل: لأنها تُهلك صاحبها، يقال: فَوّز الرجل: إذا هلك. وجملة (تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ) في محلّ النصب صفة "مفاوز". و"الأعناق" -بفتح الهمزة-: جمع عُنُق -بضم النون- للإتباع في لغة الحجاز، وبسكونها في لغة تميم، وهو مذكّرٌ، ويؤنّث في لغة الحجاز، فيقال: هي الْعُنُق ومعناه: الرقَبَة.
و"المطيّ" بالفتح: جمع مطيّة، ويُجمع أيضًا على مطايا، فَعيلة بمعنى مفعولة، سُمّي المركوب به؛ لأنه يُركب مَطَاه بالفتح وزان العَصَا: أي ظهره. قال في "القاموس": و"المطا": التمطّي، والظهر، جمعه أَمْطاء، و"المطيّة": الدابّة تَمْطُو في سيرها: أي تُسرع، جمعه مَطَايا، ومَطِيٌّ. انتهى. وقال في "المصباح": "الْمَطَا": وزانُ الْعَصَا: الظهر، ومنه قيل للبعير: مطيّة، فَعِيلة بمعنى مفعولة؛ لأنه يُركب مَطَاه، ذكرًا كان أو أنثى، ويُجمع على مَطِيّ، ومطايا. انتهى.
قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: معنى هذه الحكاية: أنه لا يُقبل الحديث إلا بإسناد صحيح.
ثم إن هذه العبارة التي استعملها هنا استعارة حسنة، وذلك لأن الحجاج بن دينار هذا من تابعي التابعين، فأقل ما يُمكن أن يكون بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- "اثنان: التابعي، والصحابي، فلهذا قال: "بينهما مفاوز": أي انقطاع كثير. انتهى (١).
(وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلَافٌ) أي إن العلماء لا يختلفون في مشروعيّة التصدّق عن الأبوين؛ لورود النصوص الكثيرة بذلك.
قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: معناه أن هذا الحديث لا يحتج به، ولكن من أراد بر والديه، فليتصدق عنهما، فإن الصدقة تَصِل إلى الميت، وينتفع بها بلا خلاف بين