[والجواب عن هذه الشُّبَه ما يلي]:
أما شبهتهم الأولى، فجوابها أن السبب المذكور لم يثبت إسناده، وبتقدير ثبوته، فإن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
وأما الشبهة الثانية: فجوابها أن الحديث باطل، كما قاله الحاكم، ففي إسناده محمد بن الفضل بن عطيّة، اتّفقوا على تكذيبه، وقال صالح جزرة: كان يضع الحديث.
وأما الشبهة الثالثة: فجوابها أنه كذب عليه في وضع الأحكام، فإن المندوب قسم منها، وفي الإخبار عن الله عز وجل في الوعد على ذلك العمل بذلك الثواب.
وأما الشبهة الرابعة: فجوابها أن أئمة الحديث اتّفقوا على أن زيادة: "ليضلّ به الناس" ضعيفة، وبتقدير صحتها لا تعلّق لهم بها؛ لأن اللام في قوله: "ليضلّ" لام العاقبة، لا لام التعليل، أو هي للتأكيد، ولا مفهوم لها، وعلى هذين الوجهين خُرّج قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآية [الأنعام: ١٤٤]؛ لأن افتراء الكذب على الله تعالى محرّم مطلقًا، سواء قُصد به الإضلالا أم لا. انتهى كلام ابن عراق رحمهُ اللهُ تعالى (١).
وإلى هذا كلّه أشرت في منظومتي "تذكرة الطالبين"، فقلت:
وَرَابِعُ الأَصْنَافِ قَوْمٌ نُسِبُوا ... للِزُّهْدِ جَاهِلِينَ ذَاكَ ارْتَكَبُوا
قَدْ وَضَعُوا الْحَدِيثَ فِي التَّرْغِيبِ ... لِلنَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَلِلتَّرْهِيبِ
وَمَنْ يَرَى جَوَازَ ذَا فَإِنَّهُ ... قَدْ غَرَّهُ الشَّيْطَانُ مُرْدِيًا فَانْبِذَنَّهُ
لأَنَّ فِي السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ ... غِنًى عَنِ اخْتِلَاقِ ذَا الْكَذَّاب
وَخَالَفُوا إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمِلَّةِ ... فِي حُرْمَةِ الْكِذْبِ عَلَى ذِي السُّنَّةِ
وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي ... تُرْدِي بِأَهْلِهَا إِلَى الْهَاوِيَةِ
وَبَالَغَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ ... مُكَفِّرًا بِهِ لِهَذَ الْمُعْتَدِي
وَالْهَمَذَانِيُّ لَهُ مُوَافِقُ ... وَالذَّهَبِيُّ لَهُمَا يُرَافِقُ
إِنْ حَرَّمَ الْحَلَالَ أَوْ بِضِدِّهِ ... وَإِنَّمَا الشَّأْنُ يِجِي فِي غَيْرِهِ
وَمَنْ يَقُلْ مُؤِّلًا لـ"مَنْ كَذَبْ" ... فِي رَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَقَدْ كَذَبْ
أَوْ حَقِّ مَنْ قَدِ افْتَرَى يَقْصِدُ بِهْ ... عَيْبًا لَهُ أَوْ شَيْنَ الإِسْلَامِ النَّبِهْ
فَكُلُّ مَا قَالُوهُ فَهْوَ بَاطِلُ ... وَلَوْ تُرَى صِحَّتُهُ يُؤَوَّلُ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(١) راجع "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" ١/ ١٢ - ١٣.