للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال السيوطيّ رحمه اللهُ تعالى: الصواب أنه لا يُقبل رواية الرافضة، وسابّ السلف، كما ذكره النوويّ في "الروضة"؛ لأن سباب المسلم فسوق، فالصحابة والسلف من باب أولى، وقد صرح بذلك الذهبي في "الميزان" فقال: البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلوّ التشيّع، أو كالتشيّع ولا تحرّق، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع، والصدق، فلو رُدّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة، وهذه مفسدة بيّنة. ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل، والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم، ولا كرامة، وأيضا فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا، ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم، والتَّقِيّة والنفاق دثارهم، فكيف يُقبل من هذا حاله؟ حاشا وكلّا، فالشيعيّ الغالي في زمان السلف وعرفهم، هو من يتكلّم في عثمان، والزبير، وطلحة، وطائفة ممن حارب عليّا -رضي الله عنه-، وتعرّض لسبّهم، والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي كفّر هؤلاء السادة، وتبرّأ من الشيخين أيضًا، فهذا ضالّ مفترٍ. انتهى.

قال السيوطيّ: وهذا الذي قاله هو الصواب الذي لا يحل لمسلم أن يعتقد خلافه.

وقال في موضع آخر: اختلف الناس في الاحتجاج برواية الرافضة على ثلاثة أقوال: [أحدها]: المنع مطلقا. [والثاني]: الترخيص مطلقا، إلا فيمن يكذب ويضع. [والثالث]: التفصيل، فتُقبل رواية الرافضيّ الصدوق العارف بما يُحدث، وتردّ رواية الرافضيّ الداعية، ولو كان صدوقًا. قال أشهب سُئل مالك عن الرافضة؟ فقال: لا تكلمهم، ولا ترو عنهم، فإنهم يكذبون. وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: لم أر أشهد بالزور من الرافضة. وقال مؤمّل بن إهاب: سمعت يزيد بن هارون يقول: يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية، إلا الرافضة، فإنهم يكذبون. وقال محمد بن سعيد الأصبهانيّ: سمعت شريكًا يقول: أَحمِل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة، فإنهم يضعون الحديث، ويتّخذونه دينًا. انتهى كلام الذهبيّ رحمه اللهُ تعالى (١).

وقال الحافظ رحمه اللهُ تعالى في "لسان الميزان" ج: ١ ص: ١٠ بعد أن ذكر كلام الذهبي المتقدّم: ما ملخّصه: فالمنع من قبول رواية المبتدعة الذين لم يكفروا ببدعتهم، كالرافضة والخوارج، ونحوهم ذهب إليه مالك وأصحابه، والقاضي أبو بكر الباقلاني وأتباعه، والقبول مطلقا إلا فيمن يُكَفَّر ببدعته، وإلا فيمن يستحل الكذب ذهب إليه أبو حنيفة، وأبو يوسف وطائفة، وروي عن الشافعي أيضا، وأما التفصيل فهو الذي عليه


(١) "ميزان الاعتدال" ١/ ١١٨ - ١١٩ و ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>