للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيّ شيء تصنع بها؟ قال: أعرفها حتى لا تُقْلَبَ.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: من المهمّ -كما أشار إليه ابن رجب- أن يُعلم الفرقُ بين كتابة حديث الضعيف، وبين روايته، فإن الأئمة كتبوا أحاديث الضعفاء لمعرفتها، ولم يرووها، كما قال يحيى بن معين: سجرنا به التنّور. وكذلك حرّق أحمد ابن حنبل حديث خلق كثير بعد أن كتب عنهم، ولم يحدّث به، وأسقط من المسند حديث خلق من المتروكين، مثل فائد بن أبي الورقاء، وكثير بن عبد الله المزنيّ، وأبان ابن أبي عيّاش، وغيرهم، وكان يُحدّث عمن دونهم في الضعف. وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانىء: قد يَحتاج الرجل يحدّث عن الضعيف، مثل عمرو بن مرزوق، وعمرو بن حكّام، ومحمد بن معاوية، وعليّ بن الجعد، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ولا يُعجبني أن يُحدّث عن بعضهم. وقال في روايته أيضًا، وقد سأله: ترى أن نكتب الحديث المنكر؟ قال: المنكر أبدًا منكر. قيل: فالضعفاء؟ قال: قد يُحتاج إليهم في وقت، كأنه لم ير بالكتابة عنهم بأسًا. وقال في رواية ابن القاسم: ابنُ لهيعة ما كان حديثه بذاك، وما أكتب حديثه إلا للإعتبار، والإستدلال، إنما أكتب حديث الرجل كأني أستدلّ به مع حديث غيره يشدّه، لا أنه حجة إذا انفرد. وقال في رواية المروزيّ: كنت لا أكتب حديث جابر الجعفيّ، ثم كتبته أعتبرُ به. وقال في رواية مهنّا، وسأله: لم تكتب حديث أبي بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف؟ قال: أعرفه. وقال محمد بن رافع النيسابوريّ: رأيت أحمد بين يدي يزيد بن هارون، وفي يده كتاب لزهير، عن جابر الجعفيّ، وهو يكتبه، فقلت: يا أبا عبد الله تنهونا عن جابر، وتكتبوه؟ قال: نَعْرِفَه. وكذا قال في حديث عبيد الله الوصافيّ: إنما أكتبه للمعرفة.

قال الحافظ ابن رجب: والذي يتبيّن من عمل الإمام أحمد، وكلامه أنه يترك الرواية عن المتّهمين، والذين كثر خطؤهم للغفلة وسوء الحفظ، ويحدّث عمن دونهم في الضعف، مثل مَنْ في حفظه شيء، ويَختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه. وكذلك كان أبو زرعة يَفعَل.

وأما الذين كتبوا حديث الكذّابين من أهل المعرفة والحفظ، فإنما كتبوه لمعرفته، كما ذكروا أحاديثهم في كتب الجرح والتعديل، ويقول بعضهم في كثير من أحاديثهم: لا يجوز ذكرُها إلا لِيُبَيَّنَ أمرُها، أو معنى ذلك. وقال ابن أبي حاتم: يجوز رواية حديث من كثرت غفلته في غير الأحكام، وأما رواية أهل التهمة بالكذب، فلا يجوز إلا مع بيان حاله، وهذا هو الصحيح. ذكر هذا كله ابن رجب رحمه الله تعالى (١).


(١) "شرح علل الترمذيّ" ص ٨٣ - ٨٦ بتحقيق صبحي السامرائيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>