أهل الحديث (أَوِ الْغَلَطُ) بفتح اللام، مصدر غلِط، من باب تعِب: أي أو كان الغالب على حديثهم الغلط (أَمْسَكْنَا أَيْضًا عَنْ حَدِيثِهِمْ) أي تركنا إخراج أحاديثهم في هذا الكتاب. فقوله:"الغالب" مبتدأ، وقوله:"على حديثه" متعلّق به، وقوله:"المنكر" خبر المبتدإ، والجملة صلة:"من"، وقوله:"أو الغلط" عطف على "الغالب"، وقوله:"أمسكنا الخ" خبر "من".
وحاصل معنى كلامه رحمه الله تعالى أنه كما ترك إخراج أحاديث المتّهمين بالوضع، ترك أيضًا من كان قريبًا من درجتهم، وهم الذين يغلب على أحاديثهم المنكر، أو الغلط. والله تعالى أعلم بالصواب.
ثم ذكر علامةً يعرف بها كون الحديث منكرًا، فقال:
(وَعَلَامَةُ الْمُنْكَرِ) مبتدأ خبره جملة "إذا": والعلامة، كالعَلَم -بفتحتين-: الفصل يكون بين الأرضين، وشيء يُنصب في الْفَلَوَات تهتدي إليه الضالّة. أفاده في "اللسان". والمعنى: أن علامة وقوع المنكر (فِي حَدِيثِ الْمُحَدِّثِ) متعلّق بـ "المنكر"(إِذَا مَا عُرِضَتْ) بالبناء للمفعول (رِوَايَتُهُ لِلْحَدِيثِ) متعلّق بما قبله (عَلَى رِوَايَةِ غيْرِهِ) متعلّق بـ "عُرضت"(مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالرِّضَا) أي من الرواة الحفّاظ العدول، وقد أشار رحمه الله تعالى بهذا إلى شرطي قبول حديث المحدّث، وهما الحفظ، والعدالة؛ إذ هي المراد بالرضا، كما قال الله سبحانه وتعالى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البقرة: ٢٨٢]، وقد بين المرضي في آية أخرى، حيث قال سبحانه وتعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق: ٢]، فدلّ على أن العدل هو المرضيّ الذي تجوز شهادته، والرواية في هذا مثل الشهادة، كما سيأتي في كلام المصنّف رحمه الله تعالى.
وإلى الشرطين المذكورين أشار السيوطيّ في ألفيّة الحديث، حيث قال:
وقوله:(خَالَفَتْ) جواب "إذا"(رِوَايَتُهُ رِوَايَتَهُمْ) أي لم توافقها أصلًا (أَوْ لم تَكَدْ) أي لم تقرب (تُوَافِقُهَا) قال النوويّ رحمه الله تعالى: معناه: لا توافقها إلا في قليل، قال أهل اللغة. "كاد" موضوعة للمقاربة، فإن لم يتقدّمها نفي كانت لمقاربة الفعل، ولم يفعل، كقوله تعالى:{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} الآية [البقرة: ٢٠]، وإن تقدّمها نفي كانت للفعل بعد بُطء، وإن شئت قلت: لمقاربة عدم الفعل، كقوله تعالى: {وَمَا كَادُوا