للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} الآية [نوح: ٢٥]، وقول الشاعر:

وَذَلِكَ مِنْ خَبَرٍ جَاءَنِي ... وَخُبِّرْتُهُ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ

وقول فرزدق في عليّ بن الحسين رَحِمَهُ اللهُ تعالى [من الطويل]:

وَيُغْضِي حَيَاءً وَيَغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... وَلَا يُكَلَّمُ إِلَّا حِينَ يَبْتَسِمُ (١)

والجارّ والمجرور متعلّق بخبر لمبتدأ محذوف، تقديره: وذلك كائن لأجل كون ناقليها الخ.

وقال النوويّ في "شرحه": وأما قوله: و "أنقى" فهو بالنون والقاف، وهو معطوفٌ على قوله: "أسلم"، وهنا تمّ الكلام، ثم ابتدأ بيان كونها أسلم وأنقى، فقال: "من أن يكون ناقلوها أهل استقامة". والظاهر أن لفظة "من" هنا للتعليل، فقد قال الإمام أبو القاسم عبد الواحد بن عليّ بن عمر الأسديّ في كتابه "شرح اللُّمَع" في "باب المفعول له": اعلم أن الباء تقوم مقام اللام، قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: ١٦٠] وكذلك "من"، قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} الآية [المائدة: ٣٢]، وقال أبو البقاء في قوله تعالى: {وَتَثبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} الآية: [البقرة: ٢٦٥]. يجوز أن يكون للتعليل. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى (٢).

وقوله: "ناقلوها" اسم "يكون" وهو جمع مذكّر سالم لاسم فاعل من نَقَلَ يَنقُلُ، من باب نصر، حُذفت منه النون؛ لإضافته، كما قال في "الخلاصة":

نُونًا تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينًا ... مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا

وقوله: (أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ) بالنصب خبر "يكون"، وهو مصدر استقام الأمرُ بمعنى اعتدل، وثبت، أي أهل اعتدال وثبات (فِي الْحَدِيثِ) متعلّقٌ بـ "استقامة" على حذف مضاف: أي في رواية الحديث، وأراد باستقامتهم في الحديث عدالتهم في الرواية.

والمعنى: أنه إنما كانت الأخبار أسلم، وأنقى من العيوب؛ لأجل كون رواتها عُدُولًا في الرواية.

وهذا هو أحد معنى العدالة التي هي أحد شرطي قبول رواية الراوي.


(١) راجع "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام الأنصاري ١/ ٣٢٠ بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
(٢) "شرح مسلم" ١/ ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>