للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أحدها]: الثقة في الدين، وهي العدالة، وشروط العدالة مشهورة في كتب الفقه.

[الثاني]: المعرفة بالصدق في الحديث، ويعني بذلك أن يكون الراوي معروفًا بالصدق في رواياته، فلا يُحتجّ بخبر من ليس بمعروف بالصدق، كمجهول الحال، ولا من يُعرف بغير الصدق، وكذلك ظاهر كلام الإمام أحمد أن خبر مجهول الحال لا يصحّ، ولا يُحتجّ به. ومن أصحابنا -يعني الحنبليّة- من خرّج قبول حديثه على الخلاف في قبول المرسل.

وقال الشافعيّ أيضًا: كان ابن سيرين، والنخعيّ، وغير واحد من التابعين يذهب هذا المذهب في أن لا يَقبَل إلا ممن عُرف، قال: وما لقيتُ، ولا علمتُ أحدًا من أهل العلم بالحديث يُخالف هذا المذهب.

[الثالث]: العقل لِمَا يُحَدّث به، وقد رُوي مثلُ هذا الكلام عن جماعة من السلف، ذكر ابن أبي الزناد عن أبيه قال: أدركت بالمدينة مائةً كلهم مأمون، ما يُؤخذ عنهم شيء من الحديث، يقال: ليس من أهله. أخرجه مسلم في "مقدّمة كتابه" (١). وروى إبراهيم بن المنذر: حدّثني معن بن عيسى قال: كان مالك يقول: لا تأخذ العلم من أربعة، وخذ ممن سوى ذلك: لا تأخذ من سَفِيه مُعلِنٍ بالسفه، وإن كان من أروى الناس. ولا تأخذ من كذّاب يَكذِب في أحاديث الناس، وإن كان لا يُتّهم أن يكذب على رسول -صلى الله عليه وسلم-. ولا من صاحب هَوًى يدعو الناس إلى هواه. ولا من شيخ له فضل، وعبادة، إذا كان لا يعرف ما يحدّث به. قال إبراهيم بن المنذر: فذكرت هذا الحديث لمطرّف بن عبد الله اليساريّ مولى زيد بن أسلم، فقال: ما أدري هذا، ولكن أشهد لسمعت مالك بن أنس يقول: لقد أدركت بهذا البلد -يعني المدينة- مشيخة لهم فضل، وصلاحٌ، وعبادةٌ، يُحدّثون، ما سيعت من واحد منهم حديثًا قطّ، قيل: ولم يا عبد الله؟ قال: لم يكونوا يَعرفون ما يُحدّثون. وروى ضمرة، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: لقد رأيتنا، وما نأخذ الأحاديث إلا ممن يعرف حلالها من حرامها، وحرامها من حلالها، وإنك لتجد الشيخ يُحدّث بالحديث، فيُحرّف حلاله عن حرامه، وحرامه عن حلاله، وهو لا يشعُر. وقال محمد بن عبد الله ابن عمّار الحافظ الموصليّ -وقد سُئل عن عليّ بن غُرَاب-: فقال: كان صاحب حديث، بصيرًا به، قيل له: أليس ضعيفًا؟ قال: إنه كان يتشيّع، ولستُ بتارك الرواية عن رجل، صاحب حديث، يبصر الحديث بعد أن لا يكون كذوبًا للتشيّع، أو للقدر، ولستُ براو عن رجل


(١) سيأتي في مقدّمة مسلم، إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>