والمعنى أنه لو قضى الله تعالى بتمام هذا المؤلف لكان المنتفع به أوّلا مؤلّفه قبل أن ينتفع به من يقرؤه؛ لكونه هو المباشر في الدعاء إلى الخير الموجب لجزيل الأجر، وقد أخرج مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا".
وقوله (لأَسْبَابٍ) علّة لقوله: "عاقبة محمودة، ومنفعة موجودة"، وأما ما ذكره بعضهم من أنه متعلق بقوله:"أن ألخّصها" فبعيد، بل باطل. والله تعالى أعلم (يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْوَصْفُ) أي يطول وصف المؤلّف المسؤول بسبب ذكر تلك الأسباب لو ذكرتها على وجه التفصيل.
(إِلَّا أَنَّ جُمْلَةَ ذَلِكَ) أي مُجمل ما ذُكر، وإنما أفرد اسم الإشارة لتأويله بالمذكور، وهو استثناء مما يُفهم من الكلام السابق: أي لا أذكر الأسباب كلها بالتفصيل لئلا يطول المؤلف الذي سألت أن ألخص لك فيه الأخبار المأثورة، فيخرُج عن الغرض المطلوب، إلا أن خلاصتها ومجملها أن ضبط القليل أيسر الخ.
ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعًا: أي لكن خلاصة تلك الأسباب، ومجملها الخ.
وحاصل المعنى: أن محمودية عاقبة ما سألتني تلخيصه لك، ووجود نفعه لأسباب كثيرة، خلاصتها كون ضبط القليل من هذا العلم أيسر على المرء من معاناة الكثير منه.
وقال السنوسيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في "شرحه": قوله: "إلا أن جملة ذلك" يدلّ على أن قوله قبله: "يطول بذكرها الوصف" معناه بذكرها على سبيل التفصيل، وإلا فهو قد تعرّض لها هنا على سبيل الجملة، وهذا إذا جعلت الإشارة في قوله:"ذلك" تعود على "الأسباب" بتأويل المذكور، ويحتمل أن الإشارة راجعة إلى النفع من قوله:"كان أول من يُصيبه نفع ذلك"، ويكون لم يتعرّض لأسباب وصول ذلك النفع له قبل غيره، لا جملةً، ولا تفصيلًا. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الأول هو الأقرب، وأما الاحتمال الثاني فبعيد جدّا. والله تعالى أعلم.
(أَنَّ ضَبْطَ الْقَلِيلِ) أي حفظه وإتقانه، يقال: ضبط الشيء ضبطًا، من باب ضرب: إذا حفظه حفظًا بليغًا، ومنه قيل: ضبطت البلاد وغيرها: إذا قمت بأمرها قيامًا ليس فيه