للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ جِنْسِ الْقَيْءِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالْحَيْضِ، وَكَانَ خُرُوجُ دَمِ الْجُرْحِ مِنْ جِنْسِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالِاحْتِلَامِ وَذَرْعِ الْقَيْءِ، فَقَدْ تَنَاسَبَتِ الشَّرِيعَةُ وَتَشَابَهَتْ وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ الْقِيَاسِ (١).

الحاصل في مسألة من استقاء عامدًا:

ذهب جمهور العلماء إلى إبطال صوم من استقاء عامدًا، واستدلوا بالآتي ذكره:

أولًا الإجماع: فقد قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إبطال صوم من استقاء عامدًا.

قال الصنعاني: ونقل ابن المنذر الإجماع على أن من تعمد القيء يفطر، قلت (أي الصنعاني): لكن روي عن ابن عباس، ومالك، وربيعة، والهادي أن القيء لا يفطر مطلقًا إلا إذا رجع منه شيء.

ثانيًا: استدلوا من السنة على إبطال صوم من استقاء عامدًا بالآتي ذكره:

الدليل الأول: حديث أبي هريرة أن النبي قال: «مَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ».

ولكن هذا الحديث ضعيفٌ معلّ، أعله البخاري حيث قال: ولا يصح إسناده. وأعله أحمد بن حنبل لما سئل عن هذا الحديث: ليس من هذا شيء، إنما هو حديث «مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».

الدليل الثاني: حديث أبي الدرداء : أن النبي «قَاءَ فَأَفْطَرَ» وهذا الحديث اختلف في إسناده اختلافًا كثيرًا.

قال ابن منده: إسناده صحيح متصل، تَرَكه الشيخان لاختلاف في إسناده، وإن صح


(١) «الفتاوى» (٢٠/ ٥٢٧). قال ابن قدامة : وَقَلِيلُ الْقَيْءِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ، فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُفْطِرُ إلَّا بِمِلْءِ الْفَمِ. لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «وَلَكِنْ دَسْعَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ». وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَلَا يُفْطِرُ كَالْبَلْغَمِ. وَالثَّالِثَةُ: نِصْفُ الْفَمِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَأَفْطَرَ بِهِ كَالْكَثِيرِ. وَالْأُولَى أَوْلَى لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّ سَائِرَ الْمُفْطِرَاتِ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا. وَحَدِيثُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا نَعْرِفُ لَهُ أَصْلًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَيْءِ طَعَامًا، أَوْ مُرَارًا، أَوْ بَلْغَمًا، أَوْ دَمًا، أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ دَاخِلٌ تَحْتَ عُمُومِ الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى، وَاَلله تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. «المغني» (٤/ ٣٦٨).

<<  <   >  >>