للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَعْلم بِحَالِ النَّبِيِّ ، وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ .

وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الِاتِّبَاعِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْآثَارِ وَتَرْكٍ لِلْعُدُولِ إِلَى الِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَفِي صَنِيعِ مُعَاوِيَةَ وَمُوَافَقَةُ النَّاسِ لَهُ - دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ مَحْمُودٌ، لَكِنَّهُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ (١).

والثاني: حُجَّة الْجُمْهُور حَدِيث أَبِي سَعِيد بَعْد هَذَا في قَوْله: (صَاعًا مِنْ طَعَام أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِير أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْر أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِط أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيب).

وَالدَّلَالَة فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنَّ الطَّعَام في عُرْف أَهْل الْحِجَاز اِسْم لِلْحِنْطَةِ خَاصَّة، لَاسِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ بِبَاقِي المذْكُورَات.

وَالثَّاني: أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاء قِيَمُهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَأَوْجَبَ في كُلّ نَوْع مِنْهَا صَاعًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ المعْتَبَر صَاع وَلَا نَظَرَ إِلَى قِيمَتِهِ، وَوَقَعَ في رِوَايَة لِأَبِي دَاوُدَ: «أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَة» قَالَ: وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ.

قلت: هذا هو الراجح، والله أعلم.

• المبحث السابع: هل يُشترط النصاب لوجوب زكاة الفطر؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

• القول الأول: قال مالك والشافعي وعطاء وأحمد بن حنبل وإسحاق: إنه يعتبر أن يكون مُخرج الفطرة مالكًا لقوت يوم وليلة (٢).

واستدلوا لهذا القول بما ورد في الصحيحين من حديث ابن عمر ﴿قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ - عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى».

وجه الدلالة: «على العبد والحر»، ويشمل الغني والفقير الذي لا يملك نصابًا، وخاصة


(١) «فتح الباري» (٣/ ٤٣٨).
(٢) قال ابن قدامة في «المغني» (٤/ ٣٠٨): «وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا نِصَابٌ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ المبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ».

<<  <   >  >>