للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ (١)، وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ»، وفى البخاري: «وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» (٢).

٣ - كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة: روى البخاري (٣) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ:


(١) قال الحافظ: و «غَلْق أَبْوَاب النَّار» عِبَارَة عَنْ صَرْفِ الْهِمَمِ عَنْ المعَاصِي الْآيِلَةِ بِأَصْحَابِهَا إِلَى النَّارِ. وقال في موضع آخر: و «غَلْقُ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ» كِنَايَة عَنْ تَنَزُّه أَنْفُسِ الصُّوَّام عَنْ رِجْس الْفَوَاحِش وَالتَّخَلُّص مِنْ الْبَوَاعِثِ عَنْ المعَاصِي بِقَمْع الشَّهَوَات.
(٢) قوله: «وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ». قَالَ الْحَلِيمِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يكون المرَاد من الشَّيَاطِين مسترقوا السَّمْعِ مِنْهُمْ، وَأَنَّ تَسَلْسُلَهُمْ يَقَعُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ دُونَ أَيَّامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُنِعُوا فِي زَمَنِ نُزُولِ الْقُرْآنِ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ، فَزِيدُوا التَّسَلْسُلَ مُبَالَغَةً فِي الْحِفْظِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ المرَادُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يَخْلُصُونَ مِنَ افْتِتَانِ المسْلمينَ إِلَى مَا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ؛ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالصِّيَامِ الَّذِي فِيهِ قَمْعُ الشَّهَوَاتِ، وَبِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرِ.
وقال غيره: المراد بالشياطين بعضهم، وهم المردة منهم. قال عياض: يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته، ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ أَنْ رَجَّحَ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالمعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَانَ كَثِيرًا، فَلَوْ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ لم يَقَعْ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنِ الصَّائِمِينَ الصَّوْمَ الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ أَوِ المصَفَّدُ بَعْضُ الشَّيَاطِين وهم المردة لاكلهم كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَوِ المقْصُودُ تَقْلِيلُ الشُّرُورِ فِيهِ وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ، فَإِنَّ وُقُوع ذَلِك فِيهِ أقل من غَيره إذ لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيدِ جَمِيعِهِمْ أَنْ لَا يَقَعَ شَرٌّ وَلَا مَعْصِيَةٌ لِأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْرَ الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَاتِ الْقَبِيحَةِ وَالشَّيَاطِينِ الْإِنْسِيَّةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ فِي تَصْفِيدِ الشَّيَاطِينِ فِي رَمَضَانَ إِشَارَة إِلَى رَفْعِ عُذْرِ المكَلَّفِ كَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ قَدْ كُفَّتِ الشَّيَاطِينُ عَنْكَ فَلَا تَعْتَلَّ بِهِمْ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ وَلَا فِعْلِ المعْصِيَةِ. انظر: «فتح الباري» (٤/ ١٣٦، ١٣٧). والراجح أن الألفاظ تُحمل على حقيقتها ولا تؤول.
(٣) البخاري (٧٤٢٣، ٢٧٩٠).

<<  <   >  >>