للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حيث أبلغت مندوبه (ضمرة) أنها تفضل أن تنبذ إليه على سواء، على أن تدفع ديات قتلى خزاعة الذين غدر بهم البكريون، أو تتخلى عن هؤلاء البكرين وتتبرأ من حلفهم. إنها إذن الخيانة المبيتة من قريش، قد انطوت عليها للمسلمين.

والله سبحانه وتعالى قد منح رسوله - صلى الله عليه وسلم - الصلاحيات الكاملة. بل الأمر الصريح في ضرب أي عنصر تشم منه رائحة الخيانة، فضلًا عن أن يتجاهر بها ويتبجح.

فقال تعالى .. {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} (١) {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (٢).

وهكذا وبناء على هذه المبررات، بل الوجبات الملحة، تحرك الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المدينة في جيشه العظيم الذي بلغ عشرة آلاف مقاتل لتأديب الخائنين الناكثين فداهم مكة على حين غفلة من أهلها المشركين الذين طمس الله عنهم أنباء الغزو الشامل حتى وصلت طلائع الجيش النبوى ضواحي مكة، فأسقط في أيدى زعمائها الذين رأوا ثمرة الخيانة والغدر سيوفًا إسلامية تلمع وتحيط بهم من كل جانب، فلم يسعهم إلَّا تسليم مكة للجيش النبوى دونما أية مقاومة تذكر، وقد كان فتح مكة - عكس ما يتصور زعماؤها - خيرًا وبركة عليهم، كما صرح بذلك الرسول الرحيم البر الرؤوف في المدينة قبل أن يتحرك منها بالجيش، وذلك عندما سألته زوجه عائشة عندما أكد لها نبأ اعتزامه غزو قريش في مكة -. "أذلك خير أريد بهم أم شر؟ " فقال - صلى الله عليه وسلم - "بل خير".

فقد دخل أهل مكة (بعد فتحها) في الإِسلام، بين فرح مغتبط وكاره سعد واطمأن فيما بعد، وأخذت (بعد فتح مكة) معالم الوثنية تمحى


(١) الأنفال ٥٨.
(٢) الأنفال ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>