ثلاثون شهرًا .. قتلوهم، وهم عزل من السلاح في حالة تهجُّد وتبتُّل ركعا سجدًا آمنين مستأمنين. وطاردوهم حتى داخل مكة (الحرم الآمن) فقتلوهم عند باب المسجد كأفظع وأقذر ما يكون قتل الآمن المستأمن في ظل صلح وعهد وأمان.
- ٤ -
هكذا نقضت قريش وحلفاؤها من كنانة الصلح، فكان ذلك بمثابة نسف من القواعد كامل لبنود صلح الحديبية، الذي طلبت قريش نفسها عقده.
وعندما تبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - نبأ ذلك العمل الإِجرامى المتمثل في الغدر بحلفائه الذين (بموجب الصلح) له ما لهم وعليه ما عليهم، لم يتعجل في الزحف على مكة للانتصار لحلفائه المعتدى عليهم، كما يلزمه بذلك ميثاق الحديبية، بل (كرهًا منه لسفك الدماء، ورغبة منه في حقنها حتى وإن كانت دماء أعدائه الذين حاولوا بكل الوسائل سفك دمه ودماء أصحابه) فإنه - قبل أن ينبذ إلى قريش على سواء، تقدم إلى قريش باقتراح يجنب الفريقين ويلات الحرب .. اقتراح في منتهى التسامح والتعبير الصادق المخلص عن الرغبة في الابتعاد عن إراقة الدماء .. هذا الاقتراح الذي بعث به إلى قريش (قبل الزحف على مكة) مبعوثًا خاصًّا، يتضمن تخيير قريش المسؤول الرئيسى عن تنفيذ بنود صلح الحديبية، بين أمور ثلاثة.
١ - إما أن يدوا (أي يدفع القرشيون وحلفاؤهم من كنانة) ديات القتلى من حلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - خزاعة - وبهذا يستمر مفعول صلح الحديبية، وتستمر فعالية السلم والموادعة بين الفريقين عشر سنوات، فتحقن بذلك الدماء من الفريقين.
٢ - وإما أن تتبرأ قريش من الغادرين الرئيسيين (كنانة) ليصفى الرسول - صلى الله عليه وسلم - معهم وحدهم الحساب، وينزل بهم العقاب العادل الذي استحقوه على بشاعة جريمة الغدر التي ارتكبوها في حق حلفائه.