للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما المعنى الثاني وهو الدقة والإشكال، فيمكن تنزيل قول الله تعالى في آية آل عمران عليه، وهي: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل: عمران: ٧].

ففي هذه الآية نوَّع الله آيات الكتاب إلى محكمات ومتشابهات، فدل هذا على أن المتشابه هنا غير المتشابه الذي ذكره في آية الزمر، لأن هناك عم به كل القرآن، وهنا ذكره في بعضه، والذي في الزمر لا ينافي الإحكام الذي ذكره الله تعالى عن القرآن كله، كقوله: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١]، فالإحكام هنا بمعنى الإتقان (١)، فالقرآن محكم أي أنه متقن ممنوع من الفساد، والاختلاف، والتضاد، وهنا في آية آل عمران ذكره الله مقابلًا للمحكم فدل على التغاير.

والتأويل إما أن يكون بمعنى التفسير، وإما أن يكون بمعنى المرجع والمصير (٢)، والذي يدل عليه استعمال هذه الكلمة في القرآن هو المعنى الثاني خاصة، فمما جاء في تأويل القرآن آيتان:

الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [: الأعراف: ٥٢،: ٥٣] فالضمير في قوله ﴿تَأْوِيلَهُ﴾ راجع إلى الكتاب، وهو هنا بمعنى الحقيقة المخبر عنها في القرآن من


(١) انظر: معجم مقاييس اللغة (٢/ ٩١) (حكم).
(٢) سيأتي ذلك (ص ١٠٤٧).

<<  <   >  >>