للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخالف طوائف من أهل البدع في هذه المسألة، فزعموا أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وربما سلم بعضهم بزيادة الإيمان من جهة أمر الرب على معنى أن ما وجب أول الإسلام زادت عليه واجبات أخرى في آخره، ومن جهة فعل العبد في بعض الحالات كمن أسلم حديثًا فإنه يزداد إيمانه من جهة العمل، لا من جهة التصديق، وهؤلاء على نوعين؛ فالمرجئة يزعمون أن الإيمان هو التصديق، وهو عندهم شيء واحد لا يتفاضل، والآخرون هم الخوارج والمعتزلة وقد سلموا بأن الإيمان قول وعمل لكنه إذا ذهب بعضه ذهب كله، وعليه فلا يقبلون القول بزيادة الإيمان ونقصانه بترك الواجبات وفعل المحرمات وضدهما.

المسألة الثالثة: ومما وقع استطرادًا في هذا الموضوع ما ذكره ابن النجار في حكم الاستثناء في الإيمان والإسلام فقال: «ويجوز الاستثناء فيه - أي في الإيمان - بأن تقول: أنا مؤمن إن شاء الله، نص على ذلك الإمام أحمد (١) والإمام الشافعي رحمهما الله تعالى، وحكي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه» (٢).

وقال ابن عقيل: يستحب، ولا يقطع لنفسه.

ومنع ذلك الإمام أبو حنيفة وأصحابه (٣) والأكثر؛ لأن التصديق معلوم لا يتردد


(١) انظر: السنة للخلال (٣/ ٥٩٧، ٦٠٠، ٦٠١، ٦٠٢).
(٢) وهو أنه: ((قال رجل عند عبد الله: إني مؤمن، قال: قل إني في الجنة!، ولكنا نقول: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله)) رواه أبو عبيد في الإيمان (ص ٦٧) رقم (١١)، وابن أبي شيبة في الإيمان (ص ٩) رقم (٢٢)، وعبد الله في السنة (١/ ٣٢٢) رقم (٦٥٥) وهو صحيح الإسناد.
(٣) ما ذكره عن الإمام أبي حنيفة لا أدري ما صحته، لكن المعلوم أن الماتريدية يرون عدم جواز الاستثناء في الإيمان. الدليل الذي ذكره للماتريدية في منع الاستثناء في الإيمان مبني على أن الإيمان هو التصديق فقط، فيكون الاستثناء فيه شكًا من صاحبه فيه، وهذا خطأ، لأن الإيمان عندنا قول وعمل، فيصح أن يقع الاستثناء على العمل.
انظر: شرح الفقه الأكبر للملا علي القاري (٢٠٨ - ٢٠٩).

<<  <   >  >>