للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولَ اللهِ؛ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ : ((لَا؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيكَ مِنْ نَفْسِكَ)). فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ -وَاللَّهِ- لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ : ((الآنَ يَا عُمَرُ)) (١) (٢).

- قَولُهُ: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَدْ فَاتَهُ الكَمَالُ الوَاجِبُ -الَّذِي يَأْثَمُ تَارِكُهُ-.

وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الكَمَالِ المُسْتَحَبِّ -الَّذِي مَنْ فَاتَهُ؛ فَإِنَّه لَا يَأْثَمُ صَاحِبُهُ-! فَإِنَّ جَمِيعَ المَعَاصِي نَاشِئَةٌ عَنْ تَقْدِيمِ هَوَى النَّفْسِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُولِهِ (٣).

قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ (٤): "فَمَنْ قَالَ: إنَّ المَنْفِيَّ هُوَ الكَمَالُ؛ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَفْيُ


(١) البُخَارِيُّ (٦٦٣٢).
(٢) وَلَا يَخْفَى أَنَّ عُمَرَ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ بِإِسْلَامٍ صَحِيحٍ قَبِلَهُ مِنْهُ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى حَالٍ فَاتَهُ فِيهِ الكَمَالُ الوَاجِبُ؛ فَلِذَلِكَ قَالَ : ((الآنَ يَا عُمَرُ)).
وَتَأَمَّلْ أَيضًا حَدِيثَ أَنَسٍ فِي هَذَا البَابِ حَيثُ جُعِلَ مَنْ أَتَى بِالثَّلَاثِ المَذْكُورَةِ وَاجِدًا لِحَلَاوَةِ الإِيمَانِ؛ وَهُوَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الإِيمَانِ.
وَقَرِيبٌ مِنْهُ أَيضًا قَولُهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ المُسْلِمِينَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَينَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النِّسَاء: ٧٧]، وَالشَّاهِدُ مِنْهُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ وَلَمْ يَكُونُوا فِي تِلْكَ الحَالِ كُفَّارًا بَلْ كَانُوا مُسْلِمِينَ قَدْ فَاتَهُمُ الكَمَالُ الوَاجِبُ. وَسَيَأْتِي الكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي البَابِ التَّالِي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
(٣) كَمَا سَبَقَ عَنِ ابْنِ رَجَبٍ فِي (الجَامِعِ).
(٤) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (٧/ ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>