للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ -لَيسَ بَينَهُ وَبَينَهُ تُرْجُمَانٌ- فَيَنْظُرُ أَيمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَينَ يَدَيهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ)) (١) (٢).

- قَولُهُ: ((لَايُزَكِّيهِم)) أَي: لَا يُوَثِّقُهُم، وَلَا يَشْهَدُ لَهُم بِالإِيمَانِ (٣).

- قَولُهُ: ((أُشَيمِطٌ)) الأُشَيمِطُ: تَصْغِيرُ (أَشْمَط)، وَالأَشْمَطُ: هُوَ الَّذِي بَدَأَهُ الشَّيبُ، وَصَغَّرَهُ تَحْقِيرًا لِشَأْنِهِ (٤).

- قَولُهُ: ((عَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ)) الاسْتِكْبَارُ يَكُونُ لِلذَّاتِ -كَهَذَا الحَدِيثِ-، وَيَكُونُ لِلصِّفَاتِ كَمَنْ لَدِيهِ جَاهٌ وَمَالٌ وَحَسَبٌ يَدْفَعُهُ لِذَلِكَ.

- قَولُهُ: ((زَانٍ)) وَ ((مُسْتَكْبِرٌ)) يَدُلُّ عَلَى خُبْثِ الطَّبْعِ، فَمَنْ كَبُرَ سِنُّهُ ضَعُفَتْ شَهْوَتُهُ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ فَقِيرًا ذُو حَاجَةٍ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ لَدِيهِ مَا يَفْتِنُهُ وَيَدْفَعُهُ إِلَى الكِبْرِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الخُبْثَ هُوَ فِي أَصْلِ طِبَاعِهِم، بِخِلَافِ مَنْ كَانَ شَابًّا؛ فَشَهْوَتُهُ العَارِمَةُ تَقُودُهُ، أَو مَنْ كَانَ غَنِيًّا ذَا مَالٍ وَجَاهٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُغْرِيهِ بِالكِبْرِ، لِذَلِكَ قَالَ المُصَنِّفُ فِي المَسَائِلِ: "التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الذَّنْبَ يَعْظُمُ مَعَ قِلَّةِ الدَّاعِي".

قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ : "وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ((ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ


(١) البُخَارِيُّ (٧٥١٢)، وَمُسْلِمٌ (١٠١٦) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَرْفُوعًا.
(٢) وَتَأَمَّلْ قَولَهُ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [الأَحْقَاف: ٣٤].
(٣) وَأَيضًا لَا يُطَهِّرُهُم مِنَ الأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ؛ وَهَذَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الزَّكَاةَ هِيَ التَّطْهِيرُ.
(٤) قَالَ فِي القَامُوسِ المُحِيطِ (ص ٦٧٤): "الشَّمَطُ: بَيَاضُ الرَّأْسِ يُخالِطُ سَوَادَهُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>