للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمِثْلُ هَذَا الحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ؛ وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ : ((حَوِّلِي هَذَا؛ فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيتُهُ؛ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا)) (١).

قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ : "هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ اتِّخَاذِ مَا فِيهِ صُورَةٌ؛ فَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ الله يَدْخُلُ وَيَرَاهُ وَلَا يُنْكِرُهُ قَبْل هَذِهِ المَرَّة الأَخِيرَةِ" (٢).

نَقْلٌ عَنِ الحَافِظِ وَتَعْلِيقٌ:

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : "قَالَ النَّوَوِيُّ: وَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ المَمْنُوعَ مَا كَانَ لَهُ ظِلٌّ، وَأَمَّا مَا لَا ظِلَّ لَهُ؛ فَلَا بَأْسَ بِاتِّخَاذِهِ مُطْلَقًا (٣)! وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ السِّتْرَ الَّذِي أَنْكَرَهُ النَّبِيُّ كَانَتِ الصُّورَةُ فِيهِ بِلَا ظِلٍّ بِغَيرِ شَكٍّ؛ وَمَعَ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِنَزْعِهِ!

قُلْتُ: المَذْهَبُ المَذْكُورُ نَقَلَهُ ابن أَبِي شَيبَةَ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِسَنَدٍ صَحِيح، وَلَفظه عَن ابن عَوْنٍ؛ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى القَاسِمِ -وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ فِي بَيتِهِ- فَرَأَيتُ فِي بَيتِهِ حَجَلَةً [مَقْصُورَةٌ] فِيهَا تَصَاوِيرُ القُنْدُسِ وَالْعَنْقَاءِ. فَفِي إِطْلَاقِ كَوْنِهِ مَذْهَبًا بَاطِلًا نَظَرٌ؛ إِذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَمَسَّكَ فِي ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: ((إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ)) فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا أَوْ مَفْرُوشًا، وَكَأَنَّهُ جَعَلَ إِنْكَارِ النَّبِيِّ عَلَى عَائِشَةَ تَعْلِيقَ السِّتْرِ المَذْكُورِ مُرَكَّبًا مِنْ كَوْنِهِ مُصَوَّرًا وَمِنْ كَوْنِهِ سَاتِرًا لِلْجِدَارِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى


(١) صَحِيحُ مُسْلِمٍ (٢١٠٧).
(٢) شَرْحُ مُسْلِمٍ (١٤/ ٨٧).
(٣) وَالكَلَامُ هُنَا هُوَ عَلَى حُكْمِ الاقْتِنَاءِ وَلَيسَ عَلَى حُكْمِ التَّصْوِيرِ؛ فَتَنَبَّهْ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>