للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(خ م ت)، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" لَا يَزْنِي الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ (١) وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (٢) (وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (٣) (وَلَا يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (٤) (وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً (٥)) (٦) (ذَاتَ شَرَفٍ (٧) يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ فِيهَا حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (٨) (وَلَا يَغُلُّ (٩) أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ , فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ) (١٠) (وَلَكِنَّ التَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ) (١١) (بَعْدُ (١٢) ") (١٣) (قَالَ عِكْرِمَةُ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ يُنْزَعُ الْإِيمَانُ مِنْهُ؟، قَالَ: هَكَذَا - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا - فَإِنْ تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ -) (١٤).


(١) هَذَا الْحَدِيث مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ , فَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا يَفْعَلُ هَذِهِ الْمَعَاصِي وَهُوَ كَامِلُ الْإِيمَان , وَهَذَا مِنْ الْأَلْفَاظ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى نَفْيِ الشَّيْء , وَيُرَادُ نَفْيُ كَمَالِهِ وَمُخْتَارِه, كَمَا يُقَال: لَا عِلْم إِلَّا مَا نَفَعَ، وَلَا مَال إِلَّا الْإِبِل، وَلَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة , وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ , لِحَدِيثِ أَبِي ذَرّ وَغَيْره: " مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله: دَخَلَ الْجَنَّة , وَإِنْ زَنَى , وَإِنْ سَرَقَ ".
وَحَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت الصَّحِيح الْمَشْهُور " أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَنْ لَا يَسْرِقُوا وَلَا يَزْنُوا , وَلَا يَعْصُوا , إِلَى آخِره , ثُمَّ قَالَ لَهُمْ - صلى الله عليه وسلم -: فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ , فَأَجْرُهُ عَلَى الله، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَته، وَمَنْ فَعَلَ وَلَمْ يُعَاقَب , فَهُوَ إِلَى الله تَعَالَى , إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ".
فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ , مَعَ نَظَائِرهمَا فِي الصَّحِيح , مَعَ قَوْل الله - عز وجل -: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ , وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} , مَعَ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَالْقَاتِلَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِر غَيْرِ الشِّرْك لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ، بَلْ هُمْ مُؤْمِنُونَ نَاقِصُو الْإِيمَان , إِنْ تَابُوا سَقَطَتْ عُقُوبَتُهمْ، وَإِنْ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَى الْكَبَائِر , كَانُوا فِي الْمَشِيئَة
فَإِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى عَفَا عَنْهُمْ وَأَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة أَوَّلًا، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ , ثُمَّ أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة وَكُلُّ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ تَضْطَرُّنَا إِلَى تَأوِيل هَذَا الْحَدِيث وَشِبْهِهِ.
ثُمَّ إِنَّ هَذَا التَّأوِيلَ ظَاهِرٌ سَائِغ فِي اللُّغَة , مُسْتَعْمَلٌ فِيهَا كَثِير , وَإِذَا وَرَدَ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ ظَاهِرًا , وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنهمَا, وَقَدْ وَرَدَا هُنَا, فَيُجِبْ الْجَمْع, وَقَدْ جَمَعْنَا. شرح النووي على مسلم - (ج ١ / ص ١٤٨)
(٢) (خ) ٦٤٢٤
(٣) (خ) ٢٣٤٣ , (م) ٥٧
(٤) (خ) ٦٤٢٤ , (س) ٤٨٦٩
(٥) (النُّهْبَة) هُوَ الْمَالُ الْمَنْهُوب , وَالْمُرَادُ بِهِ: الْمَأخُوذُ جَهْرًا قَهْرًا، وَأَشَارَ بِرَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى حَالَةِ الْمَنْهُوبِينَ , فَإِنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَنْهَبُهُمْ , وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ , وَلَوْ تَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ وَالِاخْتِلَاسِ , فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي خُفْيَةٍ , وَالِانْتِهَابُ أَشَدُّ, لِمَا فِيهِ مِنْ مَزِيدِ الْجَرَاءَةِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ. فتح الباري (١٩/ ١٨٠)
(٦) (خ) ٢٣٤٣ , (م) ٥٧
(٧) أَيْ: ذَاتُ قَدْر , حَيْثُ يُشْرِفُ النَّاسُ لَهَا نَاظِرِينَ إِلَيْهَا , وَلِهَذَا وَصَفَهَا بِقَوْلِهِ: " يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ ".فتح الباري (ج ١٩ / ص ١٨٠)
(٨) (خ) ٥٢٥٦ , (م) ٥٧
(٩) الغُلول: السرقة من الغنيمة قبل القِسمة.
(١٠) (م) ٥٧
(١١) (ت) ٢٦٢٥ , (خ) ٦٤٢٥
(١٢) أَيْ: بَعْد ذَلِكَ , قَالَ النَّوَوِيّ: أَجْمَع الْعُلَمَاء - رضي الله عنهم - عَلَى قَبُولِ التَّوْبَةِ مَا لَمْ يُغَرْغِر كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث , وَلِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَةُ أَرْكَان: أَنْ يُقْلِعَ عَنْ الْمَعْصِيَة , وَيَنْدَمَ عَلَى فِعْلهَا , وَيَعْزِمَ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهَا , فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ تَوْبَتُه , وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْبٍ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَر , صَحَّتْ تَوْبَتُه , هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقّ. شرح النووي على مسلم - (ج ١ / ص ١٤٩)
(١٣) (خ) ٦٤٢٥ , (م) ٥٧
(١٤) (خ) ٦٤٢٤