تَطْهِيرُ مَا كَانَ أَمْلَسَ السَّطْحِ
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَصَابَتِ النَّجَاسَةُ شَيْئًا صَقِيلا - كَالسَّيْفِ وَالْمِرْآةِ - فَإِنَّهُ لا يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ، وَلا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ، لِعُمُومِ الأَمْرِ بِغَسْلِ الأَنْجَاسِ، وَالْمَسْحُ لَيْسَ غَسْلا.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ قُطِعَ بِالسَّيْفِ الْمُتَنَجِّسِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ مَسْحِهِ وَقَبْلَ غَسْلِهِ مَا فِيهِ بَلَلٌ كَبِطِّيخٍ وَنَحْوِهِ نَجَّسَهُ، لِمُلاقَاةِ الْبَلَلِ لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنْ كَانَ مَا قَطَعَهُ بِهِ رَطْبًا لا بَلَلَ فِيهِ كَجُبْنٍ وَنَحْوِهِ فَلا بَأسَ بِهِ، كَمَا لَوْ قُطِعَ بِهِ يَابِسًا لِعَدَمِ تَعَدِّي النَّجَاسَةِ إِلَيْهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ سُقِيَتْ سِكِّينٌ مَاءً نَجِسًا، ثُمَّ غَسَلَهَا طَهُرَ ظَاهِرُهَا، وَهَلْ يَطْهُرُ بَاطِنُهَا بِمُجَرَّدِ الْغَسْلِ أَمْ لا يَطْهُرُ حَتَّى يَسْقِيَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً بِمَاءٍ طَهُورٍ؟ وَجْهَانِ: قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَجِبُ سَقْيُهَا مَرَّةً ثَانِيَةً وَاخْتَارَ الشَّاشِيُّ الاكْتِفَاءَ بِالْغَسْلِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنِ الشَّافِعِيِّ. (١)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَا كَانَ أَمْلَسَ السَّطْحِ، كَالسَّيْفِ وَالْمِرْآةِ وَنَحْوِهِمَا، إِنْ أَصَابَهُ نَجِسٌ فَإِنَّ تَطْهِيرَهُ يَكُونُ بِالْمَسْحِ بِحَيْثُ يَزُولُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، لأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ وَهُمْ يَحْمِلُونَهَا، وَلأَنَّهُ لا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ، وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَزُولُ بِالْمَسْحِ.
قَالَ الْكَمَالُ: وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ عَلَى ظُفْرِهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا طَهُرَتْ.
فَإِنْ كَانَ بِالصَّقِيلِ صَدَأٌ يَتَشَرَّبُ مَعَهُ النَّجَاسَةَ، أَوْ كَانَ ذَا مَسَامَّ تَتَشَرَّبُهَا، فَإِنَّهُ لا يَطْهُرُ إِلا بِالْمَاءِ. (٢)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَا كَانَ صُلْبًا صَقِيلا، وَكَانَ يُخْشَى فَسَادُهُ بِالْغَسْلِ كَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُ مِنَ الدَّمِ الْمُبَاحِ وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا، خَوْفًا مِنْ إِفْسَادِ الْغَسْلِ لَهُ.
قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَسَوَاءٌ مَسَحَهُ مِنَ الدَّمِ أَمْ لا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، أَيْ خِلافًا لِمَنْ عَلَّلَهُ بِانْتِفَاءِ النَّجَاسَةِ بِالْمَسْحِ.
قَالَ الدُّسُوقِيُّ: فَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ السَّيْفَ وَنَحْوَهُ مِنَ الدَّمِ الْمُبَاحِ إِلا إِذَا مُسِحَ، وَإِلا فَلا، وَعَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ: لا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ الظُّفْرَ وَالْجَسَدَ مِنَ الدَّمِ الْمُبَاحِ لِعَدَمِ فَسَادِهِمَا بِالْغَسْلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهَا مِنْهُ إِذَا مُسِحَ.
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ الْعَفْوَ بِأَنْ يَكُونَ الدَّمُ مُبَاحًا، كَدَمِ جِهَادٍ وَقِصَاصٍ وَذَبْحٍ وَعَقْرِ صَيْدٍ فَإِذَا كَانَ دَمَ عُدْوَانٍ يَجِبُ الْغَسْلُ. (٣)
قَالَ الدُّسُوقِيُّ: قَالَ الْعَدَوِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاحِ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ دَمٌ مَكْرُوهُ الأَكْلِ إِذَا ذَكَّاهُ بِالسَّيْفِ، وَالْمُرَادُ: الْمُبَاحُ أَصَالَةً، فَلا يَضُرُّ حُرْمَتُهُ لِعَارِضٍ كَقَتْلِ مُرْتَدٍّ بِهِ، وَقَتْلِ زَانٍ أَحْصَنَ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِمَامِ.
كَمَا قَيَّدُوا الْعَفْوَ بِأَنْ يَكُونَ مَصْقُولا لا خَرْبَشَةَ فِيهِ، وَإِلا فَلا عَفْوَ. (٤)
(١) روضة الطالبين ١/ ٣٠، كشاف القناع ١/ ١٨٤، ١٨٥.
(٢) حاشية ابن عابدين ١/ ٢٠٦، فتح القدير ١/ ١٣٧، الاختيار ١/ ٣٢ ط. مصطفى الحلبي ١٩٣٦م.
(٣) حاشية الدسوقي ١/ ٧٧، ٧٨.
(٤) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ١/ ٧٧، جواهر الإكليل ١/ ١٢.