للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م س) , وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (" أَعطَى رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - رَهْطًا (١) وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ , فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - مِنْهُمْ رَجُلًا لَمْ يُعْطِهِ - وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ - "، فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَسَارَرْتُهُ (٢)) (٣) (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , مَا لَكَ عَنْ فُلَان (٤) فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا , قَالَ: " أَوْ مُسْلِمًا (٥) ") (٦) وفي رواية: (قَالَ: " لَا تَقُلْ: مُؤْمِنٌ , وَقُلْ: مُسْلِمٌ (٧) ") (٨) (قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلًا , ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ , وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا , قَالَ: " أَوْ مُسْلِمًا " , قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلًا , ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ , وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا , قَالَ: " أَوْ مُسْلِمًا) (٩) (ثُمَّ قَالَ: يَا سَعْدُ , إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ , خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ ") (١٠) (عَلَى وَجْهِهِ ") (١١)


(١) الرَّهْطُ عَدَدٌ مِنَ الرِّجَالِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ. (فتح - ح٢٧)
(٢) أي: كلمته سِرَّا.
(٣) (خ) ١٤٠٨ , (م) ١٣١ - (١٥٠)
(٤) قَوْله: (مَا لَك عَنْ فُلَان) أَيْ: ما سَبَب عُدُولِك عَنْهُ إِلَى غَيْره؟. (فتح - ح٢٧)
(٥) قَوْله: (فَقَالَ: أَوْ مُسْلِمًا) مُحَصَّل الْقِصَّة أَنَّ النَّبِيّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - كَانَ يُوسِع الْعَطَاء لِمَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَام تَأَلُّفًا، فَلَمَّا أَعْطَى الرَّهْط وَهُمْ مِنْ الْمُؤَلَّفَة وَتَرَكَ جُعَيْلًا وَهُوَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ أَنَّ الْجَمِيع سَأَلُوهُ، خَاطَبَهُ سَعْد فِي أَمْره , لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ جُعَيْلًا أَحَقّ مِنْهُمْ لِمَا اِخْتَبَرَهُ مِنْهُ دُونهمْ، وَلِهَذَا رَاجَعَ فِيهِ أَكْثَر مِنْ مَرَّة، فَأَرْشَدَهُ النَّبِيّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - إِلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدهمَا: إِعْلَامه بِالْحِكْمَةِ فِي إِعْطَاء أُولَئِكَ وَحِرْمَان جُعَيْل مَعَ كَوْنه أَحَبّ إِلَيْهِ مِمَّنْ أَعْطَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إِعْطَاء الْمُؤَلَّف لَمْ يُؤْمَن اِرْتِدَاده فَيَكُون مِنْ أَهْل النَّار.
ثَانِيهمَا: إِرْشَاده إِلَى التَّوَقُّف عَنْ الثَّنَاء بِالْأَمْرِ الْبَاطِن دُون الثَّنَاء بِالْأَمْرِ الظَّاهِر، فَوَضَحَ بِهَذَا فَائِدَة رَدّ الرَّسُول - صلى اللهُ عليه وسلَّم - عَلَى سَعْد، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِم مَحْض الْإِنْكَار عَلَيْهِ، بَلْ كَانَ أَحَد الْجَوَابَيْنِ عَلَى طَرِيق الْمَشُورَة بِالْأَوْلَى، وَالْآخَر عَلَى طَرِيق الِاعْتِذَار. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ لَمْ تُقْبَل شَهَادَة سَعْد لِجُعَيْل بِالْإِيمَانِ، وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِالْعَدَالَةِ لَقُبِلَ مِنْهُ وَهِيَ تَسْتَلْزِم الْإِيمَان؟ فَالْجَوَاب: أَنَّ كَلَام سَعْد لَمْ يَخْرُج مَخْرَج الشَّهَادَة وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَج الْمَدْح لَهُ وَالتَّوَسُّل فِي الطَّلَب لِأَجْلِهِ فَلِهَذَا نُوقِشَ فِي لَفْظه، حَتَّى وَلَوْ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَة لَمَا اِسْتَلْزَمَتْ الْمَشُورَة عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ الْأَوْلَى رَدّ شَهَادَته، بَلْ السِّيَاق يُرْشِد إِلَى أَنَّهُ قَبِلَ قَوْله فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ اِعْتَذَرَ إِلَيْهِ. وَرَوَيْنَا فِي مُسْنَد مُحَمَّد بْن هَارُون الرُّويَانِيّ وَغَيْره بِإِسْنَادٍ صَحِيح إِلَى أَبِي سَالِم الْجَيْشَانِيّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قَالَ لَهُ: كَيْف تَرَى جُعَيْلًا؟ قَالَ قُلْت: كَشَكْلِهِ مِنْ النَّاس، يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ. قَالَ: فَكَيْف تَرَى فُلَانًا؟ قَالَ قُلْت: سَيِّد مِنْ سَادَات النَّاس. قَالَ: فَجُعَيْل خَيْر مِنْ مِلْء الْأَرْض مِنْ فُلَان. قَالَ قُلْت: فَفُلَان هَكَذَا وَأَنْتَ تَصْنَع بِهِ مَا تَصْنَع، قَالَ: إِنَّهُ رَأس قَوْمه، فَأَنَا أَتَأَلَّفهُمْ بِهِ. فَهَذِهِ مَنْزِلَة جُعَيْل الْمَذْكُور عِنْد النَّبِيّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - كَمَا تَرَى، فَظَهَرَتْ بِهَذَا الْحِكْمَة فِي حِرْمَانه وَإِعْطَاء غَيْره، وَأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ التَّألِيف كَمَا قَرَّرْنَاهُ. وَفِي حَدِيث الْبَاب مِنْ الْفَوَائِد التَّفْرِقَة بَيْن حَقِيقَتَيْ الْإِيمَان وَالْإِسْلَام، وَتَرْك الْقَطْع بِالْإِيمَانِ الْكَامِل لِمَنْ لَمْ يَنُصّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْع الْقَطْع بِالْجَنَّةِ فَلَا يُؤْخَذ مِنْ هَذَا صَرِيحًا وَإِنْ تَعَرَّضَ لَهُ بَعْض الشَّارِحِينَ.
نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَثْبُت فِيهِ النَّصّ، وَفِيهِ الرَّدّ عَلَى غُلَاة الْمُرْجِئَة فِي اِكْتِفَائِهِمْ فِي الْإِيمَان بِنُطْقِ اللِّسَان.
وَفِيهِ جَوَاز تَصَرُّف الْإِمَام فِي مَال الْمَصَالِح وَتَقْدِيم الْأَهَمّ فَالْأَهَمّ وَإِنْ خَفِيَ وَجْه ذَلِكَ عَلَى بَعْض الرَّعِيَّة.
وَفِيهِ جَوَاز الشَّفَاعَة عِنْد الْإِمَام فِيمَا يَعْتَقِد الشَّافِع جَوَازه، وَتَنْبِيه الصَّغِير لِلْكَبِيرِ عَلَى مَا يَظُنّ أَنَّهُ ذَهِلَ عَنْهُ، وَمُرَاجَعَة الْمَشْفُوع إِلَيْهِ فِي الْأَمْر إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى مَفْسَدَة، وَأَنَّ الْإِسْرَار بِالنَّصِيحَةِ أَوْلَى مِنْ الْإِعْلَان " فَقُمْت إِلَيْهِ فَسَارَرْته "، وَقَدْ يَتَعَيَّن إِذَا جَرّ الْإِعْلَان إِلَى مَفْسَدَة , وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أُشِيرَ عَلَيْهِ بِمَا يَعْتَقِدهُ الْمُشِير مَصْلَحَة لَا يُنْكَر عَلَيْهِ، بَلْ يُبَيَّن لَهُ وَجْه الصَّوَاب , وَفِيهِ الِاعْتِذَار إِلَى الشَّافِع إِذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَة فِي تَرْك إِجَابَته، وَأَنْ لَا عَيْب عَلَى الشَّافِع إِذَا رُدَّتْ شَفَاعَته لِذَلِكَ. (فتح - ح٢٧)
(٦) (خ) ١٨٢٧ , (م) ٢٣٧ - (١٥٠) , (س) ٤٩٩٢ , (د) ٤٦٨٥
(٧) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا. (س) ٤٩٩٣
(٨) (س) ٤٩٩٣ , (ن) ١١٧٢٤
(٩) (خ) ١٤٠٨ , (م) ٢٣٧ - (١٥٠)
(١٠) (خ) ١٨٢٧ , (م) ٢٣٦ - (١٥٠)
(١١) (خ) ١٤٠٨ , (م) ٢٣٧ - (١٥٠) , (د) ٤٦٨٣ , (حم) ١٥٢٢