(٢) قال النووي في شرح مسلم (١/ ٧٠): اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ إِثْبَات الْقَدَر وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَّرَ الْأَشْيَاء فِي الْقِدَم، وَعَلِمَ سُبْحَانه أَنَّهَا سَتَقَعُ فِي أَوْقَات مَعْلُومَة عِنْدَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى , وَعَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَة , فَهِيَ تَقَعُ عَلَى حَسْبِ مَا قَدَّرَهَا سُبْحَانه وَتَعَالَى.وَأَنْكَرَتْ الْقَدَرِيَّةُ هَذَا , وَزَعَمْت أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى لَمْ يُقَدِّرْهَا , وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِهَا , وَأَنَّهَا مُسْتَأنَفَةُ الْعِلْمِ , أَيْ: إِنَّمَا يَعْلَمُهَا سُبْحَانَهُ بَعْدَ وُقُوعِهَا , وَكَذَبُوا عَلَى اللهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , وَجَلَّ عَنْ أَقْوَالِهِمْ الْبَاطِلَة عُلُوًّا كَبِيرًا.وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ " قَدَرِيَّةً " , لِإِنْكَارِهِمْ الْقَدَرَ , قَالَ أَصْحَاب الْمَقَالَات مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ: وَقَدْ اِنْقَرَضَتْ الْقَدَرِيَّة الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْل الشَّنِيع الْبَاطِل، وَلَمْ يَبْقَ أَحَد مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ عَلَيْهِ، وَصَارَتْ الْقَدَرِيَّةُ فِي الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ تَعْتَقِدُ إِثْبَاتَ الْقَدَرِ؛ وَلَكِنَّهُم يَقُولُونَ: الْخَيْرُ مِنْ اللهِ , وَالشَّرُّ مِنْ غَيْره، تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ. وقال الحافظ في الفتح (ح٥٠): وَالْقَدَرِيَّة الْيَوْم مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ اللهَ عَالِمٌ بِأَفْعَالِ الْعِبَاد قَبْل وُقُوعهَا، وَإِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَف فِي زَعْمِهِمْ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَقْدُورَةٌ لَهُمْ وَوَاقِعَة مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَال، وَهُوَ - مَعَ كَوْنه مَذْهَبًا بَاطِلًا - أَخَفُّ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ , وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ , فَأَنْكَرُوا تَعَلُّقَ الْإِرَادَةِ بِأَفْعَالِ الْعِبَاد , فِرَارًا مِنْ تَعَلُّقِ الْقَدِيم بِالْمُحْدَثِ، وَهُمْ مَخْصُومُونَ بِمَا قَالَ الشَّافِعِيّ: إِنْ سَلَّمَ الْقَدَرِيُّ بِالْعِلْمِ خُصِمَ , يَعْنِي: يُقَال لَهُ: أَيَجُوزُ أَنْ يَقَع فِي الْوُجُودِ خِلَافُ مَا تَضَمَّنَهُ الْعِلْم؟ , فَإِنْ مَنَعَ , وَافَقَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّة، وَإِنْ أَجَازَ , لَزِمَهُ نِسْبَةُ الْجَهْل، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute