للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى عَبْدِ العَزِيزِ بن مَرْوَانَ، فَشَكَا خَتَنَهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بن مَرْوَانَ: وَمَنَ خَتَنَكَ؟ قَالَ: خَتَنَنِي الخَتَّانُ، فَأَقْبَلَ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَلَى كَاتِبِهِ، وَقَالَ: مَا أَجَابَنِي عَنْ سُؤَالِي؟ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ كَلَامَكَ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ لَهُ: وَمَنْ خَتَنُكَ؟ قَالَ الأَعْرَابِيُّ: خَتَنِي فُلَانٌ، فَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ: أَرَانِي أَتَكَلَّمُ بِمَا لَا تَعْرِفُهُ العَرَبُ! لَا خَالَطْتُ النَّاسَ حَتَّى أَفْهَمَ الإِعْرَابَ، فَشَغَلَ نَفْسَهُ بِتَعَلُّمِ العَرَبِيَّةِ حَتَّى عَرَفَهَا، فَكَانَ يُعْطِي عَلَى الإِعْرَابِ، وَيُحْرِمُ عَلَى اللَّحْن (١).

وَكَذَلِكَ كَانَ الفُصَحَاءُ الْمُتَقَدِّمُونَ؛ كَانُوا إِذَا خَاطَبَهُمْ مَنْ يَلْحَنُ لَمْ يَقِفُوا عَلَى مَعْنَى أَكْثَر مِنْ كَلَامِهِ.

(فَلَا يَهُمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ) أَيْ: لَا يُحْزِنْكَ وَمِنْهُ: "هَمُّكَ مَا أَهَمَّكَ" (٢)، أَيْ: أَذَابَكَ مَا أَحْزَنَكَ.

يُقَالُ: هَمَمْتُهُ فَانْهَمَّ، أَيْ: أَذَبْتُهُ فَذَابَ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ (٣).

وَلَا أَعْرِفُ يَهُمَّنَكَ فِي الحُزْنِ، إِنَّمَا الهَمُّ: حَدِيثُ النَّفْسِ بِالشَّيْء، يُقَالُ:


(١) ذكر القِصَّة: ابن عَساكِر في تاريخ دمشق (٣٦/ ٣٥٤)، وابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (٦/ ٣٦٤) جميعًا من طريق سَعْد الوَرَّاق عن أَحْمد بن عُمر بن إِسْمَاعِيل الزُّهري عن محمَّد بن الحارث المخْزُومي نحوها.
وينظر: العبر للذهبي (١/ ١١٤)، ومحاضرات الأدَباء للراغب الأصبهاني (١/ ٢٥).
(٢) ينظر هذا المثل وشرحه في: جمهرة الأمثال للعسكري (٢/ ٣٦٢)، والمستقصى في أمثال العَرب للزَّمخشري (٢/ ٣٩٤).
(٣) سورة آل عمران، الآية: (١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>