حتى إن الصحابة إذا اختلفوا على قولين جاء عنه في المسألة روايتان، وكان تَحَرِّيه لفتاوى الصحابة كتحرّي أصحابه لفتاواه ونصوصه، بل أعظم، حتى إنّه لَيُقَدِّم فتاواهم على الحديث المرسل.
قال إسحاق بن إبراهيم بن هانيء في "مسائله": قلت لأبي عبد الله حديث عن رسول الله مرسل برجالٍ ثبت أحبّ إليك، أو حديث عن الصحابة والتابعين متصل برجال ثبت؟
قال أبو عبد الله ﵀:"عن الصحابة أعجب إليّ" وَمِن ثمّ صارت فتاواه إمامًا وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم، حتى إنّ المخالفين لمذهبه في الاجتهاد والمقلدين لغيره، ليعظمون نصوصه وفتاواه، ويعرفون لها حقها، وقربها من النصوص، وفتاوى الصحابة.
الأصل الثالث: إذا اختلف الصحابةُ تَخَيّر من أقوالهم، ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال، حكى الخلاف فيها، ولم يَجزِم بقولٍ:
قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في "مسائله": قيل لأبي عبد الله: يَكُونُ الرجل في قومه فَيُسألُ عن الشيء فيه اختلاف؟ قال: يُفتي بما وَافَقَ الكتاب والسنة، وما لم يوافق الكتاب والسنة أَمسك عنه. قيل له: أَفَيُجاب عليه؟ قال: لا.
[الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه]
وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل، ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم بحيث لا يَسُوغُ الذهاب إليه والعمل به، بل الحديث الضعيف عنده: قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، وَلم يَكُن يُقَسِّم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف بل إلى صحيح وضعيف. وللضعيف عنده مراتب: فإذا لم يَجِد في الباب أثرًا يدفعه، ولا قول صحابي، ولا إجماعًا على خلافه، كان العملُ به عنده أولى من القياس.