للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشْرَفَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، فَقَالَ: "إنِّي شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ، زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ"، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ.

أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ١ فِي الْمَغَازِي، فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ"، وَمُسْلِمٌ فِي "فَضَائِلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، انْتَهَى. زَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ: فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ، كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، فَقَالَ: "إنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَلَسْت أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ تَنَافَسُوا فِي الدُّنْيَا، وَتَقْتَتِلُوا فَتَهْلَكُوا، كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ قَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ لَآخِرِ مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، انْتَهَى. زَادَ ابْنُ حِبَّانَ: ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلُ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الدُّعَاءِ، وَمِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ وَقَوْلُهُ فِيهِ: صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، يَدْفَعُهُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مِنْ الْخَصَائِصِ، لِأَنَّهُ عليه السلام قَصَدَ بِهَا التَّوْدِيعَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي "الصَّحِيحِ"، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ٢ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ، كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ رحمه الله فِي "صَحِيحِهِ": الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الدُّعَاءُ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الصَّلَاةِ لَلَزِمَ مَنْ يَقُولُ بِهَا، أَنْ يُجَوِّزَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ بِسِنِينَ، فَإِنَّ وَقْعَةَ أُحُدٍ كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ بِسَبْعِ سِنِينَ، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَدْ نَاقَضَ ابْنُ حِبَّانَ هَذَا فِي أَحَادِيثِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: زَعَمَ أَئِمَّتُنَا أَنَّ بِلَالًا أَثْبَتَهَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ نَفَاهَا، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَهَذَا شَيْءٌ يَلْزَمُنَا فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَغَيْرَهُ رَوَوْا أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَيْهِمْ، وَجَابِرٌ رَوَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَكُونُ عليه السلام

قَصَدَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنَوِّرَ عَلَيْهِمْ قُبُورَهُمْ، كَمَا وَرَدَ فِي الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ٣ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ، أَوْ رَجُلٍ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ عَلَى أَهْلِهَا ظُلْمَةً، وَإِنِّي أُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ"، انْتَهَى.


١ البخاري في "الجنائز في باب الصلاة على الشهيد" ص ١٨٩، ومسلم في "الفضائل في باب إثبات الحوض لنبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص ٢٥٠ ج ٢.
٢ البخاري في "باب غزوة أحد" ص ٥٧٨ ج ٢.
٣ البخاري في "باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن" ص ١٧٨، ومسلم: ص ٣٠٩ ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>