للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ١ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، قَالَ: كُنَّا إذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَهُ، فَاخْتَرَطَهُ، ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟! قَالَ: "اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْك"، قَالَ: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَن فَأَغْمَدَ السَّيْفَ، وَعَلَّقَهُ، قَالَ: ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ، انْتَهَى. وَلَمْ يَصِلْ الْبُخَارِيُّ سَنَدَهُ بِهِ، فَقَالَ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي٢ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ": وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ. وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَقَالَ: أَخْرَجَاهُ٣، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحُمَيْدِيُّ. وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي "كِتَابَيْهِمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ" مَعَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَصَلَ سَنَدَهُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ قِصَّةُ الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، عَقِيبَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا: وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ، كَأَنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَقَالَ مَنْ قَلَّدَهُ الشَّيْخُ: وَلِأَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ وَهْمٌ، أَمَّا النَّسَائِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَصْلًا، لَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَأَمَّا أَبُو دَاوُد، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد٤ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ، وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَهَذَا هو حديث الكتاب، فإن فِيهِ ذِكْرُ الظُّهْرِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ لَيْسَ صَرِيحًا، فَلِذَلِكَ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ٥، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يحمله عليه،


١ مسلم في "صلاة الخوف" ص ٢٧٩.
٢ البخاري: ص ٥٩٣.
٣ وكذا وهم صاحب "المشكاة" حيث قال: متفق عليه.
٤ أبو داود في "باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين" ص ١٨٤، وقد تقدم الحديث: ص ٥٦ من هذا الجزء.
٥ قال النووي في "شرح مسلم" ص ٢٧٩: معناه صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وسلم، وسلموا، وبالثانية كذلك، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متنفلاً، وهم مفترضون، اهـ، وقال الحافظ في "التلخيص" ص ١٤٠: أورده الشافعي. والنسائي. وابن خزيمة عن طريق الحسن عن جابر، وفيه: أنه سلم من الركعتين أوّلاً، ثم صلى ركعتين بالطائفة الأخرى، اهـ. قلت: تقدم: ص ٩٢ ج ١ أن الحسن روى عن جابر أحاديث، ولم يسمع منه، اهـ، وروى

<<  <  ج: ص:  >  >>