للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامُوا صَفًّا خلفه، وصفاً مُسْتَقْبِلُ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ، فَقَامُوا فِي مَقَامِهِمْ، وَاسْتَقْبَلَ هَؤُلَاءِ الْعَدُوَّ، فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ هَؤُلَاءِ، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا، فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، وَرَجَعَ أُولَئِكَ إلَى مَقَامِهِمْ، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: أَبُو عُبَيْدَةَ، لَمْ يُسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَخُصَيْفٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَيُمْكِنُ مِنْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ١، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": وَالْفَرْقُ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، كَانَ قَضَاؤُهُمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَبْقَى الْإِمَامُ كَالْحَارِسِ وَحْدَهُ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مسعود، كان قضاءهم مُتَفَرِّقًا عَلَى صِفَةِ صَلَاتِهِمْ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَأَصْحَابُهُ، غَيْرَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ نَصُّ أَشْهَبَ، مِنْ أَصْحَابِنَا، خِلَافَ مَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: وَأَبُو يُوسُفَ، وَإِنْ أَنْكَرَ شَرْعِيَّتَهَا فِي زَمَانِنَا، فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا رَوَيْنَا. قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ إنَّمَا يُنْكِرُ شَرْعِيَّتَهَا بَعْدَ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَتَبِعَ أَبَا يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْمُزَنِيّ، وَمُسْتَنَدُهُمْ خُصُوصُ الْخِطَابِ بِهِ عليه الصلاة والسلام فِي قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ} الْآيَةَ، وَلِأَنَّ فِيهَا أَفْعَالًا مُنَافِيَةً لِلصَّلَاةِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الْخِطَابِ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ وُجُوبُ الِاتِّبَاعِ وَالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" وَالْأَفْعَالُ الْمُنَافِيَةُ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَهُ عليه الصلاة والسلام، قُلْت: قَدْ وَرَدَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام، لَا مِنْ فِعْلِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ٢ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي بَابِ قوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن يوسف أبا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ


١ البخاري في "أبواب صلاة الخوف" ص ١٢٨.
٢ البخاري في "التفسير في باب قوله عز وجل: {فإِن خفتم فرجالاً أو ركباناً} الآية" ص ٦٥٠ ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>