للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّ الْقَلْبَ غَيْرُ التَّحْوِيلِ، وَلَكِنَّ الثَّوْبَ إذَا كَانَ لَهُ طَرَفَانِ، كَالْكِسَاءِ. وَنَحْوِهِ، يُمْكِنُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَلْبِ، وَالتَّحْوِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله: وَلَا يَقْلِبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ١ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، مُشْكِلٌ، لِأَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَأَيْضًا فَالْقَوْمُ قَدْ حَوَّلُوا بِحَضْرَتِهِ عليه الصلاة والسلام، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، وَتَقْرِيرُ الشَّارِعِ حُكْمٌ، كَمَا وَرَدَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ"٢ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ عليه السلام حَوَّلَ رِدَاءَهُ، فَقَلَبَهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَتَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ.

فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ تَحْوِيلَ الرِّدَاءِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَفَاؤُلًا، لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ هَيْئَةٍ إلَى هَيْئَةٍ، وَتَحَوُّلٌ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ، لِيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِانْتِقَالِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ، وَتَحَوُّلِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ، قُلْت: قَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي "مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ"٣ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَصَحَّحَهُ، وَفِيهِ: وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" وَفِي الطُّوَالَاتِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَكِنْ قَلَبَ رِدَاءَهُ، لِكَيْ يَنْقَلِبَ القحط إلى الخصب، وَفِي "مُسْنَدِ" إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ٤: لِتَتَحَوَّلَ السَّنَةُ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ، ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ وَكِيعٍ.


١راجع "فتح القدير" ص ٤٤٠ ج ١، فإن لصاحبه على الحافظ المخرج مؤاخذة، وليست بصحيحة، والله أعلم.
٢ ص ٤١ ج ٤.
٣ "المستدرك" ص ٣٢٦ ج ١، والدارقطني عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا: ص ١٨٩.
٤ وفي "مسند أحمد" ص ٤١ ج ١، قال أبو عبد الرحمن: قلب الرداء حتى تحوّل السنة، ويصير الغلاء رخصاً، اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>