الْإِمَامِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بفاتحة الكتاب"، والإِنصات. وإذا قَرَأَ الْإِمَامُ عَمَلًا بِالْآيَةِ، قال: واحتج بِقَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَالْعِرَاقِ، لِإِرْسَالِهِ وَانْقِطَاعِهِ: أَمَّا إرْسَالُهُ، فَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا انْقِطَاعُهُ، فَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَلَا يُدْرَى أَسَمِعَ جَابِرٌ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَمْ لَا، قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ، فتكون الفتحة مُسْتَثْنَاةً مِنْهُ "أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ، بَعْدَ الْفَاتِحَةِ"، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "إلَّا الْمَقْبَرَةَ"، مَعَ انْقِطَاعِهِ، قَالَ: وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ عليه السلام لِسُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ، حِينَ جَاءَ، وَهُوَ يَخْطُبُ: "قُمْ، فَارْكَعْ"، مَعَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ، فَقَالَ: "إذَا قُلْت لِصَاحِبِك: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ لَغَوْت"، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الصَّلَاةَ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِخَبَرٍ رُوِيَ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ نِجَادٍ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، فَإِنَّ ابْنَ نِجَادٍ لَمْ يُعْرَفْ، وَلَا سُمِّيَ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو حُبَابٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كَهَيْلِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ مُلِئَ فُوهُ نَتِنًا، قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ عَوَانٍ عَنْ إبْرَاهِيمِ عَنْ الْأَسْوَدِ، وَقَالَ: رَضْفًا، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلَا بِالنَّارِ، وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ"، فكيف يجوز لأحد يَقُولَ: فِي [فِي] الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ جَمْرَةٌ، وَالْجَمْرَةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ؟!.الثاني: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَمَنَّى أَنْ تُمْلَأَ أَفْوَاهُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلِ: عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ. وَحُذَيْفَةَ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَائِشَةَ. وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِي جَمَاعَةٍ آخَرِينَ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُمْ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ رَضْفًا، وَلَا نَتِنًا، وَلَا تُرَابًا. ثُمَّ رَوَى أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِخَبَرٍ رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ لِهَذَا الْإِسْنَادِ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يَصِحُّ مِثْلُهُ، قَالَ: وَرَوَى سُلَيْمَانُ التَّيْمِيِّ. وَعُمَرُ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ عَنْ أَبِي مُوسَى فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ: "وَإِذَا قَرَأَ، فَأَنْصِتُوا"، وَلَمْ يَذْكُرْ سُلَيْمَانُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ سَمَاعًا مِنْ قَتَادَةَ، وَلَا قَتَادَةَ مِنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، وَرَوَى هِشَامٌ. وَسَعِيدٌ. وَأَبُو عَوَانَةَ. وَهَمَّامٌ. وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ: "وَإِذَا قَرَأَ، فَأَنْصِتُوا"، وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى مَا سِوَى الْفَاتِحَةِ، وَرَوَى أَبُو خَالِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute