للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَا ذكروه أَنَّ الْخَمْرَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الِاسْمِ خَاصًّا فِيهِ، فَإِنَّ النَّجْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الظُّهُورِ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَلَبَةِ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ اسْمًا لِكُلِّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، فَقَدْ غَلَبَ عَلَى الَّتِي مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ١ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَقَدْ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ يَعْنِي بِهِ مَاءَ الْعِنَبِ فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ بِاسْمِ الْخَمْرِ، وَلَا يَمْنَعُ هَذَا أَنْ يُسَمَّى غَيْرُهُ خَمْرًا، انْتَهَى. وَهَذِهِ مُصَادَمَةٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ٢ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ بَيْتِهِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيذِ، فَقَالَتْ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا، وَإِنَّمَا حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا، فَكُلُّ شَرَابٍ يَكُونُ عَاقِبَتُهُ، كَعَاقِبَةِ الْخَمْرِ، فَهُوَ حَرَامٌ، كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ، انْتَهَى. وَفِيهِ مَجْهُولٌ: وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ٣ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ، قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَإِنَّ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ، وما فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ، فَهُوَ إخْبَارٌ مِنْهُ بِعِلْمِهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ٤ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ عَلَيْنَا حِينَ حُرِّمَتْ، وَمَا نَجِدُ خَمْرَ الْأَعْنَابِ إلَّا قَلِيلًا، وَعَامَّةُ خَمْرِنَا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ، انْتَهَى. فَهَذَا اللَّفْظُ يُوَضِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الْقِلَّةُ لَا الْعَدَمُ.

قَوْلُهُ: وَقَدْ جَاءَتْ السَّنَةُ مُتَوَاتِرَةً أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ الْخَمْرَ، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، قُلْت: الْأَحَادِيثُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ٥ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ، وما شرابهم إلا الفضيح: الْبُسْرُ، وَالتَّمْرُ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي، فَقَالَ: اُخْرُجْ، فَانْظُرْ، فَخَرَجْتُ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اُخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي: هَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِثْلَهُ، مِمَّا شُوهِدَ فِيهِ نُزُولُ الْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ٦: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، ذَكَرَهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ٧ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، قَالَ:


١ عند البخاري في الأشربة في باب أن الخمر من العنب ص ٨٣٦ ج ٢.
٢ عند الدارقطني في الأشربة ص ٥٣٤، وقوله: وفيه مجهول، هو أبو حفص عمر بن سعيد، قال أبو حاتم: كتبت حديثه، وطرحته، انتهى من هوامش الدارقطني.
٣ عند البخاري في تفسير سورة المائدة ص ٦٦٤ ج ٢.
٤ عند البخاري في الأشربة في باب أن الخمر من العنب ص ٨٣٦ ج ٢.
٥ عند مسلم في الأشربة ص ١٦٢ ج ٢، واللفظ له، وعند البخاري في الأشربة وغيره.
٦ هذا اللفظ عند البخاري في المظالم والقصاص في باب صب الخمر في الطريق ص ٣٣٣ ج ١.
٧ عند مسلم في البيوع في باب تحريم الخمر ص ٢٢ ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>