قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إنَّهُ قَاتَلَ، وَلَمْ يَسْبِ، وَلَمْ يَغْنَمْ، أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ، فَتَسْتَحِلُّوا مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا وَهِيَ أُمُّكُمْ، لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَتْ بِأُمِّنَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ، فَأَنْتُمْ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ، فَأْتُوا مِنْهُمَا بِمَخْرَجٍ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ الْأُخْرَى؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قُلْت: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابًا، فَقَالَ: " اُكْتُبْ: هَذَا ما قضى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاك عَنْ الْبَيْتِ، وَلَا قَاتَلْنَاك، وَلَكِنْ اُكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فقال: " وإني لَرَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، يَا عَلِيُّ اُكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ"، فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ مَحَا نَفْسَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَحْوُهُ ذَلِكَ مَحْوًا مِنْ النُّبُوَّةِ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ الْأُخْرَى؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ، وَبَقِيَ سَائِرُهُمْ، فَقُتِلُوا عَلَى ضَلَالَتِهِمْ، قَتَلَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الْقِصَاصِ" حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ بِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَرَجَعَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَبَقِيَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَقُتِلُوا عَلَى ضَلَالَتِهِمْ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" - وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"١، وَقَالَ فِيهِ: وَكَانُوا سِتَّةَ آلَافٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ، وَبَقِيَ سَائِرُهُمْ، قُتِلُوا عَلَى ضلالة، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْقَارِئِ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، وَنَحْنُ عِنْدَهَا جُلُوسٌ، مَرْجِعُهُ مِنْ الْعِرَاقِ، لَيَالِي قُوتِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، فَقَالَتْ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَلْ أَنْتَ صَادِقِي عَمَّا أَسْأَلُك عنه؟ قال: ومالي لَا أَصْدُقُك يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: فَحَدِّثْنِي عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ، قَالَتْ: فَحَدِّثْنِي عَنْ قِصَّتِهِمْ، قُلْت: إنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه لَمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ، وَحَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ، فَنَزَلُوا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: حَرُورَاءَ من جانب الكوفة، إلَى أَنْ قَالَ: فَبَعَثَ عَلِيٌّ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى إذَا تَوَسَّطْنَا عَسْكَرَهُمْ قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ، فَخَطَبَ، فَقَالَ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ، هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ، فَأَنَا أَعْرِفُهُ، مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا نَعْرِفُهُ بِهِ، هَذَا مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ وَفِي قَوْمِهِ {قَوْمٌ خَصِمُونَ} فَرُدُّوهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَلَا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ، فَقَامَ خُطَبَاؤُهُمْ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَنُوَاضِعَنَّهُ كِتَابَ اللَّهِ، فَإِنْ جَاءَ بِحَقٍّ نَعْرِفُهُ لَنَتَّبِعَنَّهُ، وَإِنْ جَاءَ بِبَاطِلٍ لَنُبَكِّتَنَّهُ بِبَاطِلِهِ، فَوَاضَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْكِتَابَ،
١ في "المستدرك - في قتال أهل البغي" ص ١٥٠ - ج ٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute