للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، وَهُمَا أَثْبَتُ، فَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ الِاسْتِسْعَاءَ، وَوَافَقَهُمَا هَمَّامٌ، وَفَصَلَ الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ الْحَدِيثِ، فَجَعَلَهُ مِنْ رَأْيِ قَتَادَةَ، قَالَ: وَسَمِعْت أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ: مَا أَحْسَنَ مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ وَضَبَطَهُ، فَصَلَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ، فَجَعَلَا الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحْسَبُهُمَا وَهِمَا فِيهِ لِمُخَالَفَةِ شُعْبَةَ، وَهِشَامٍ، وَهَمَّامٍ إيَّاهُمَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: اضْطَرَبَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي "السِّعَايَةِ"، فَمَرَّةً يَذْكُرُهَا، وَمَرَّةً لَا يَذْكُرُهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ، وَتَفْسِيرِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هَمَّامٌ وَبَيَّنَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ"، انْتَهَى. قُلْت: فِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: قَالَ أَيُّوبُ ١: لَا أَدْرِي مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ، أَوْ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي قَوْلَهُ: فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ - وَفِي لَفْظٍ: قَالَ٢: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّهُ، إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْرَ ثَمَنِهِ، وَيُعْطِي شركائهم حِصَصَهُمْ، وَيُخَلِّي سَبِيلَ الْمُعْتَقِ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "الشَّرِكَةِ"، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَقَدْ اجْتَمَعَ ههنا شُعْبَةُ مَعَ فَضْلِ حِفْظِهِ وَعَمَلِهِ، بِمَا سَمِعَ قَتَادَةَ، وَمَا لَمْ يَسْمَعْ، وَهِشَامٌ مَعَ فَضْلِ حِفْظِهِ، وَهَمَّامٌ مَعَ صِحَّةِ كِتَابَتِهِ، وَزِيَادَةِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ إدْرَاجِ السِّعَايَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَفِي هَذَا مَا يُضَعِّفُ ثُبُوتَ الِاسْتِسْعَاءِ بِالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي رَوَاهُ عَنْ هَمَّامٍ، وَزَادَ فِيهِ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَمَيَّزَهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ السِّعَايَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ عِنْدَ إعْسَارِ الشَّرِيكِ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ دُونَ إجْبَارِهِ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ، وَفِي إجْبَارِهِ عَلَى السَّعْيِ فِي قِيمَتِهِ، وهو لا يريد مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ تَكَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ هَذَا، وَضَعَّفُوا ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَقَالُوا: الصَّوَابُ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ مِنْ رَأْيِ قَتَادَةَ، كَمَا رَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْهُ، فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ نَظَرٌ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ الْأَثْبَاتِ فِي قَتَادَةَ، وَلَيْسَ هُوَ بِدُونِ هَمَّامٍ، وَقَدْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ٣، وَرَفْعِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ جَرِيرُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ،


١ ذكر هذا القول البخاري في "الشركة - باب تقويم الأشياء بين الشركاء" ص ٣٣٩ - ج ١.
٢ هذا اللفظ عند البخاري في "الشركة - باب الشركة في الرقيق" ص ٣٤٠.
٣ وفي هامش الدارقطني: ص ٤٧٧، روى البخاري، قال: حدثني أحمد بن أبي رجاء حدثنا يحيى بن آدم =

<<  <  ج: ص:  >  >>