للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ: فَبَيْنِي وَبَيْنَكُمْ الْقُرْآنُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} الْآيَةَ، هَذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ رَجْعَةٌ، فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ، فَكَيْفَ تَقُولُونَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا، إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، فَعَلَامَ تَحْبِسُونَهَا؟!، انْتَهَى. وَهَذَا صَرِيحٌ أَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي لَفْظٍ: إلَى الْيَمَنِ، وَفِي لَفْظٍ: فَخَرَجَ إلَى غَزْوَةِ نَجْرَانَ، فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: "لَا نَفَقَةَ لَكِ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ"، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: إلَى أَيْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ" - وَكَانَ أَعْمَى - تضع ثيابها عنده وَلَا يَرَاهَا، فَلَمَّا مَضَتْ عِدَّتُهَا أَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، الْحَدِيثَ. تَفَرَّدَ بِهَذَا السِّيَاقِ مُسْلِمٌ، قاله عبد الحق.

فصل

قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمِلْكِ، لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ، وَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالْحَدِيثِ، قُلْت: يُشِيرُ بِالنَّصِّ إلَى قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} ، وَيُشِيرُ بِالْحَدِيثِ إلَى قَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ"، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي "الْعِتْقِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ، لِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالنَّصِّ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: "أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك"، رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَسَيَأْتِي فِي "بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ" رَوَاهُ أَصْحَابُ "السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ"١، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ٢ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "إنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةُ اللَّهِ لَكُمْ، {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} ، وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إذَا احْتَجْتُمْ إلَيْهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ"، وَقَالَ:


١ عند الترمذي في "الأحكام - باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده" ص ١٧٤ - ج ١، وعند أبي داود في "البيوع - باب الرجل يأكل من مال ولده" ص ١٤١ - ج ٢، والنسائي في "البيوع" ص ٢١٠ - ج ٢، وابن حبان في "البيوع" ص ١٥٥.
٢ عند البيهقي في "السنن - باب نفقة الوالدين " ص ٤٨٠ - ج ٧، وعند الحاكم في "تفسير سورة البقرة - باب أولادكم هبة الله لكم" ص ٢٨٤ - ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>