للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالنار.

قال السراج: إنما أحرقه بالنار لأنه كان يشغله عن ذكر الله.

قلت: اعتذار السراج عنه أعجب من فعله، قال السراج: وحكي عنه أنه باع عقارا ففرق ثمنه وكان له عيال فلم يدفع إليهم شيئا، وسمع قارئا يقرأ: ﴿اخسؤوا فيها﴾، فقال: ليتني كنت واحدا منهم، قلت: وهذا الرجل ظن أن الذي يكلمهم هو الله تعالى والله لا يكلمهم، ثم لو كلمهم كلام إهانة فأي شيء هذا حتى يطلب، قال السراج: وقال الشبلي يوما في مجلسه: إن لله عباد لو بزقوا على جهنم لأطفؤوها.

قلت: وهذا من جنس ما ذكرناه عن أبي يزيد وكلاها من إناء واحد.

وبإسناد عن أبي علي الدقاق يقول: بلغني أن الشبلي اكتحل بكذا وكذا من الملح ليعتاد السهر ولا يأخذه النوم.

قال المصنف : وهذا فعل قبيح لا يحل لمسلم أن يؤذي نفسه وهو سبب للعمى ولا تجوز إدامة السهر لأن فيه إسقاط حق النفس والظاهر أن دوام السهر والتقلل من الطعام أخرجه إلى هذه الأحوال والأفعال.

وبإسناد عن أبي عبد الله الرازي قال: كساني رجل صوفا فرأيت على رأس الشبلي قلنوسة تليق بذلك الصوف فتمنيتها في نفسي، فلما قام الشبلي من مجلسه التفت إلي فتبعته، وكان عادته إذا أراد أن أتبعه يلتفت إلي، فلما دخل داره فقال: انزع الصوف.

فنزعته فلفه وطرح القلنوسة عليه ودعى بنار فأحرقهما.

قلت: وقد حكى أبو حامد الغزالي أن الشبلي أخذ خمسين دينارا فرماها في دجلة وقال: ما أعزك أحد إلا أذله الله.

وأنا أتعجب من أبي حامد أكثر من تعجبي من الشبلي لأنه ذكر ذلك على وجه المدح لا على وجه الإنكار فأين أثر الفقه؟

وبإسناد عن حسين بن عبد الله القزويني قال: حدثني من كان جالسا أنه قال: تعذر علي قوتي يوما ولحقني ضرورة فرأيت قطعة ذهب مطرحة في الطريق فأردت أخذها فقلت لقطة فتركتها، ثم ذكرت الحديث الذي يروي: «لو أن الدنيا كانت دما عبيطا لكان قوت المسلم منها حلالا» فأخذتها وتركتها في

<<  <   >  >>