فقيل له: وما بلغك أن الزنا حرام.
وهؤلاء الجهلة قد أسقطوا جاههم عند الله سبحانه ونسوا أن المسلمين شهداء الله في الأرض.
أخبرنا ابن حبيب نا ابن أبي صادق نا ابن باكويه قال سمعت أبا أحمد الصغير سمعت أبا عبد الله بن خفيف سمعت أبا الحسن المديني يقول: خرجت مرة من بغداد إلى نهر الناشرية وكان في إحدى قرى ذلك النهر رجل يميل إلى اصحابنا فبينا أنا أمشي على شاطئ النهر رأيت مرقعة مطروحة ونعلا وخريقة فجمعتهما وقلت هذه لفقير.
ومشيت قليلا فسمعت همهمة وتخبيطا في الماء، فنظرت فإذا بأبي الحسن النوري قد ألقى نفسه في الماء والطين وهو يتخبط ويعمل بنفسه كل بلاء، فلما رأيته علمت أن الثياب له فنزلت إليه فنظر إلي وقال: يا أبا الحسن أما ترى ما يعمل بي، قد أماتني موتات وقال لي مالك منا إلا الذكر الذي لسائر الناس.
وأخذ يبكي ويقول: ترى ما يفعل بي.
فما زلت أرفق به حتى غسلته من الطين وألبسته المرقعة وحملته إلى دار ذلك الرجل.
فأقمنا عنده إلى العصر ثم خرجنا إلى المسجد فلما كان وقت المغرب رأيت الناس يهربون ويغلقون الأبواب ويصعدون السطوح فسألناهم فقالوا: السباع تدخل القرية بالليل.
وكان حوالي القرية أجمة عظيمة وقد قطع منها القصب وبقيت أصوله كالسكاكين.
فلما سمع النوري هذا الحديث قام فرمى بنفسه في الأجمة على أصول القصب المقطوع ويصيح ويقول: أين أنت يا سبع.
فما شككنا أن الأسد قد افترسه أو قد هلك في أصول القصب.
فلما كان قريب الصبح.
جاء فطرح نفسه وقد هلكت رجلاه فأخذنا بالمنقاش ما قدرنا عليه فبقي أربعين يوما لا يمشي على رجليه.
فسألته أي شيء كان ذلك الحال.
قال: لما ذكروا السبع وجدت في نفسي فزعا فقلت لأطرحنك إلى ما تفزعين منه.
قلت: لا يخفى على عاقل تخبيط هذا الرجل قبل أن يقع في الماء والطين.
وكيف يجوز للإنسان أن يلقي نفسه في ماء وطين وهل هذا إلا فعل المجانين، وأين الهيبة والتعظيم من قوله: ترى ما يفعل بي وما وجه هذا الانبساط وينبغي أن تجف الألسن في أفواهها هيبة.