هذا الأثر يدلُّ على حرص الصحابة على عدم استماع المعازف المحرّمة، وعلى الحمل بما أمرهم به رسولهم صلوات الله وسلامه عليه، على عكس ما نراه اليوم في زماننا من شباب ونساء المسلمين؟؛ يترنّمون بغناء ومعازف أهل الكفر والفسوق والعصيان، وكيف يحفظون الأغاني الماجنة كما يحفظون أسماءهم! وهم بالتالي لا يحفظون من كتاب الله إلا الفاتحة وسورة الناس! هذا إن كانوا من المصلّين!!
وفيه بُعد من يفتي في زماننا بجواز استماع بعض أنواع الغناء والمعازف بزعم أنها روحية أو وطنية! أو بزعم أنها لا تثير الحماسة العاطفية! ولا تهيّج المشاعر!! كذا يقول الأفّاكون.
وقد استدلّ بعضهم -كابن حزم وغيره- بهذا الأثر على جواز سماع المعازف! فقالوا: لو كان حرامًا ما أباح رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لابن عمر أن يسمع، ولا أباح ابن عمر لنافع أن يسمع .. !!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- ردًا على هذه الشبهة كما في "مجموع الفتاوى"(٣٠/ ٢١٢):
"وهذا الحديث -إن كان ثابتًا- فلا حجة لهم فيه على إباحة الشبابة، بل هو على النهي عنها أولى؛ من وجوه:
أحدها: أن المحرّم الإستماع لا السماع، فالرجلُ لو سَمِعَ الكفرَ والكذبَ والغيبةَ والغِنَاءَ والشبابةَ من غير قصد منه -كأن يكون مجتازًا بطريق؛ فسمع ذلك- لم يأثم ذلك باتفاق المسلمين.
ولو كان الرجلُ مارًا فسمع القرآن من غير أن يستمع إليه؛ فلم يؤجر على ذلك، وإنما يؤجَرُ على الإستماع الذي يقصد.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - مع ابن عمر مارًا مُختَارًا، لم يكن مستمعًا، وكذلك ابن عمر مع نافع.
الثاني: إنه إنما سدَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أذنيه؛ مبالغة في التحفُّظ، حتى لا يسمع أصلًا.
فتبيَّن بذلك: أن الإمتناع من أن يسمعَ ذلك خير من السماع، وإن لم يكن في السماع إثم، ولو كان الصوتُ مباحًا لما كان يسدُّ أذنيه عن سماع المباح، بل