الله قد خلق هذه الغرائز في الإنسان، وأراد لها أن تبقى لتؤدي دورها في هذه الحياة بما يحقق للإنسان سعادته في الدنيا والآخرة، فالغرائز هي مقومات الحياة، وإذا استعملت على الوجه الصحيح الذي يتفق مع منهج الشريعة كانت محبباً لجميع الطاعات، والأعمال الصالحة، فلولا تغذية الجسد بالمأكولات والمشروبات لفقد الجسم قدرته على عبادة الله، ولولا النكاح لما كان هناك تناسل ولا نوع من البشر يعبد الله، ويجاهد في سبيله، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: " تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم " ولهذا قال بعضهم: الاعتداء المنهي عنه في قوله تعالى: (وَلَا تَعْتَدُوا) هو محاولة بعض الصحابة الاختصاء كما جاء في الحديث. والحاصل أن الاعتداء يشمل أمرين: الاعتداء في الشيء نفسه بالإِسراف فيه والاعتداء بتجاوزه إلى غيره مما ليس من جنسه وهو الخبائث. اهـ.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن نكاح المتعة كان موجوداً، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رخص لأصحابه فيه عندما خرجوا إلى الغزو وتركوا نساءهم في المدينة فشكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعانونه، واستأذنوه في الاختصاء فنهاهم عنه، ورخص لهم في نكاح المتعة، ثم نسخ في آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثانياً: أنه يحرم الغلو في الدين، والتضييق على النفس البشرية وحرمانها من طيبات الحياة التي أحلّها الله، وقد كان ذلك من العبادات المأثورة عند قدماء اليهود واليونان، قلدهم فيها النصارى فشددوا على أنفسهم، وحرموا عليها ما لم تحرمه الكتب المقدسة. ولما جاء الإِسلام أباح للبشر الزينة والطيبات، وأرشدهم إلى إعطاء البدن حقه، والروح حقها، ولذلك كانت الأمة الإسلامية وسطاً بين جميع الأمم. وروى ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية الكريمة " أن نفراً من الصحابة حرّموا على أنفسهم الطيبات بأيمان حلفوا بها، فقالوا: كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها، فأنزل الله تعالى ذكره (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) الآية، وفي هذا حجة ظاهرة لمن يقول من حلف على ترك جنس من