وبواطن الأمور كما هو مقتضى الحالة البشرية، وإنما أحكم بالظاهر " من البينة أو اليمين " والله يتولى السرائر " وإنه يأتيني الخصم " أي يأتيني الخصمان المدعي والمدعى عليه " فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض " يعني فقد يكون أحد الخصمين أقدر على إثبات دعواه بالحجة والبينة من الآخر " فأحسب أنه قد صدق " أي فيغلب على ظني أنّه صادق محقٌّ " فأقضي له بذلك " أي فأحكم له بالقضية لما معه من الحجة والبينة " فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها " أي فمن حكمت له بحق أخيه المسلم وسلمته له فلا يستحله فإنه إذا أخذ ذلك الحق وهو يعلم أنه باطل وظُلْمٌ لغيره فإنه يأخذ مالاً حراماً يؤدي به إلى النار. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: التحذير الشديد عن الدعوى الباطلة التي يراد منها أكل أموال الناس بالباطل، لما تؤدي إليه من النار وبئس القرار، وأن المخاصمة في الباطل إثم ومعصية، وهو ما ترجم له البخاري. ثانياًً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحكم بين الناس بالحجة الظاهرة من بينة أو يمين تشريعاً للقضاة والحكام في كل العصور والأزمان، فإن أساس القضاء في الإِسلام يعتمد على أصول ثلاث: البينة، اليمين، الإِقرار، أي إقرار الشخص على نفسه بالحق الذي عليه، وهو سيّد الأدلة، ولا يجوز الحكم بغيرها حتى قال بعض أهل العلم: إن القاضي لا يحكم بعلمه، فلو علم حقيقة الأمر في القضية المعروضة عليه في مجلس القضاء لا يحكم بعلمه، وإنما يحيل القضية إلى قاض آخر، ويأتي شاهداً فيها. والدليل على أن القاضي يحكم