روايتهم تعديلا له، وأما ترك الرواية فقد يكون لشبهة لا توجب الجرح، وهذا معروف في غير واحد قد خُرِّجَ له في الصحيح.
وكذلك قول من قال: ليس بقوي في الحديث، عبارة لينة تقتضى أنه ربما كان في حفظه بعض التغير، ومثل هذه العبارة لا تقتضي عندهم تعمُّد الكذب ولا مبالغة في الغلط.
وأما أبو صالح؛ فقد قال يحيى بن سعيد القطان: لم أر أحدًا من أصحابنا ترك أبا صالح مولى أم هانئ، وما سمعتُ أحدًا من الناس يقول فيه شيئًا، ولم يتركه شعبة ولا زائدة (١). فهذه رواية شعبة عنه تعديل له كما عرف من عادة شعبة، وترك ابن مهدي له لا يعارض ذلك، فإن يحيى بن سعيد أعلم بالعلل والرجال من ابن مهدي، فإن أهل الحديث متفقون على أن شعبة ويحيى بن سعيد أعلم بالرجال من ابن مهدي وأمثاله.
وأما قول أبي حاتم: يكتب حديثُه ولا يحتجُّ به. فأبو حاتم يقول مثل هذا في كثير من رجال الصحيحين، وذلك أن شرطه في التعديل صعب، والحجَّة في اصطلاحه ليس هو الحجة في جمهور أهل العلم.
وهذا كقول من قال: لا أعلم أنهم رضوه. وهذا يقتضى أنه ليس عندهم من الطبقة العالية، ولهذا لم يخرج البخاري ومسلم له ولأمثاله، لكن مجرد عدم تخريجهما للشخص لا يوجب رد حديثه، وإذا كان كذلك، فيقال: إذا كان الجارح والمعدل من الأئمة لم يقبل الجرح إلا مفسَّرًا؛ فيكون التعديل مقدَّمًا على الجرح المطلق".
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
"وقد روى الترمذي والبزار من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزنى، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: "الصُّلحُ جائزٌ بين المسلمين
(١) انظر "الكامل في ضعفاء الرجال" (٢/ ٦٩)، و"ميزان الاعتدال في نقد الرجال" (٢/ ٣).