للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-٣ -

ودخول بدعة التقرب بما ليس قربة مثل القراءة في المواطن الثلاثة، قد فهمه مالك وجاء في كلامه ما هو صريح في ذلك. فروي في- الموطأ- حديث أن النيَّ- صلى الله عليه وآله وسلم- رأى رجلا قائما في الشمس فقال: ما بال هذا؟ فقالوا: نذر أن لا يتكلم ولا يستظل من الشمس ولا يجلس ويصوم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: «مروه فليتكلم وليستظل وليجلس وليتم صومه» قال مالك: أمره أن يتم ما كان لله طاعة (وهو الصيام) ويترك ما كان لله معصية. وروى قوله- صلى الله عليه وآله وسلم-: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه»، قال مالك: معنى قوله- صلى الله عليه وآله وسلم-: «من نذر أن يعصي الله فلا يعصه» أن ينذر الرجل أن يمشي إلى الشام أو إلى مصر أو إلى الربذة.

فقد جعل مالك القيام للشمس وترك الكلام ونذر المشي إلى الأماكن المذكورة معاصي، وفسر لفظ المعصية في الحديث بها، مع أنها في نفسها أشياء مباحات، لكنه لما أجراها مجرى القربة- وليست قربة- حتى نذر التقرب بها وصارت معاصي لله وليس سبب المعصية أنه نذر التقرب بها حتى أنه لو فعلها متقربا دون نذر لكانت مباحة، بل مجرد التقرب بها وليست هي قربة موجب لكونها معصية عند مالك. والدليل على ذلك ما حكاه ابن العربي عن الزبير بن بكار قال: سمعت مالكا بن أنس، واتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-. فقال إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة. فقال الرجل: وأي فتنة في هذه؟ إنما هي أميال

<<  <  ج: ص:  >  >>