والذي يظهر من عبارات مالك أن المكروه هو صوم ستة أيام متوالية بيوم الفطر، كما يفهم من قوله:(في صيام ستة أيام بعد الفطر) ومن قوله (وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء) وإنما يخشى هذا الإلحاق إذا كانت متوالية ومتصلة بيوم الفطر. فالكراهة إذا عنده منصبة على صومها بهذه الصفة من التوالي والاتصال لا على أصل صومها. وهذا هو التحقيق في مذهبه.
[فقه مالك واحتياطه]
[أنبني فقه مالك واحتياطه على أصلين]
الأصل الأول: أن العبادة المقدرة لا يزاد عليها ولا ينقص منها، وهو أصل عام في جميع العبادات، وفي خصوص الصيام قد ثبت نهيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يتقدم شهر رمضان بصيام يوم أو يومين، وظاهر أن وجه هذا النهي هو خوف أن يعدَّ ذلك من رمضان، فحمى الشارع بهذا النهي العبادة من الزيادة في أولها. فبنى مالك- بسعة علمه وبعد نظره- على ذلك حمايتها من الزيادة في آخرها فكره صوم تلك الأيام متوالية متصلة بيوم الفطر مخافة- كما قال-: (أن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء) فكان احتياطه في الأخير مطابقا لاحتياط النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- في الأول، وذلك كله لأجل المحافظة على بقاء العبادة المقدرة على حالها غير مختلطة بغيرها. وقد جاء نظير هذا الاحتياط في الصلاة، فقد روى أبو داود في سننه: أن رجلاً دخل إلى مسجد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فصلى الفرض وقام ليصلي ركعتين فقال له عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: اجلس خنى تفصل بين فرضك ونفلك، فبهذا هلك من كان قبلنا. فقال له عليه وآله الصلاة والسلام:(أصاب الله بك يا ابن الخطاب). يعني أن الذين كانوا قبلنا وصلوا النوافل بالفرائض فأدى ذلك إلى اعتقاد جهالهم وجوب الجميع